كان من المقرر أن يقف ديودونيه الليلة على خشبة الـZenith في مدينة نانت الفرنسيّة. رفض عمدة البلدة أن يمنع الـ«ستاند أب كوميدي» التي يقال إنّها تتضمّن إيحاءات لاساميّة، وغير ذلك من آفات لم تعد مستغربة من ديودونيه للأسف. لكنّ قائد الشرطة حلّ مكانه، لينسف المحطّة الأولى من جولة «الجدار» في فرنسا. وبما أن الرقابة المباشرة غير واردة في بلد فولتير، فقد أعلن العمل «تهديداً للنظام والأمن». كأننا في مواجهة نظام عربي من النوع الذي «يقود» الرئيس فرنسوا هولاند «الثورة» ضدّه منذ وصوله إلى قصر الإليزيه.
فرنسا كلّها تضجّ بقضيّة ديودونيه. الاعلام جعلها شغله الشاغل، ومديرو المسارح التي برمجت عروض «الجدار» يتبرّعون بإلغاء تعهّداتهم. مالك مسرح «لا مان دور» الباريسي انتبه فجأة إلى أنّه يؤوي مستأجراً خطيراً. وزير الداخليّة مانويل فالس أعلن الحرب رسميّاً على العنصريّة، معتدياً على حريّة التعبير، ومبالغاً في التعاطي مع مونودراما تهكّميّة تنتمي إلى فنّ الهجاء السياسي، ومخاطراً في تحويل ديودونيه إلى ضحيّة ومضاعفة شعبيّة هذا الكوميك الذي يرقص على شفا الهاوية . أيّ ضرورة لهذه الرقابة، ما دامت الترسانة القانونيّة في فرنسا تمتلك ضوابط كافية لحماية المشاعر والمعتقدات والذاكرة الجماعيّة والمبادئ الأساسيّة (قانون غيسو الذي يجرّم إنكار للمحرقة)؟ الوزير الذي يشنّ حملة ضارية على فنّان بحجة رفض العنصريّة، يطبّق سياسة لا يجرؤ عليها اليمين المتطرّف بحق المهاجرين العرب والجاليات الاسلاميّة، وصولاً إلى الغجر. وفيما تنعم أفريقيا الوسطى بـ«الرعاية» الفرنسيّة التي فتحت أبواب الكوارث على أفقر شعوب الأرض، نكتشف مجدداً بؤس الاشتراكيّين الفرنسيين، وهشاشة فرنسا الراهنة، وذعرها وانتهازيّة نخبها حتى الانزلاق إلى الرقابة المقلقة. إن ديودونيه لا يُدافع عنه، وقد تناولنا فوق هذه الصفحات رحلته البطيئة إلى الجحيم، عشيّة عرض بيروتي سابق له («الأخبار»، ٢٠/ ٢/ ٢٠١٠). الرجل انزلق نهائيّاً إلى أحضان اليمين المتطرّف، وصار مرجعه روبير فوريسون عرّاب المدرسة التحريفيّة. وحسناً فعلت «حملة مقاطعة إسرائيل ـــ فرنسا» إذ أدانت خطابه بوضوح، فيما أخذت «جمعيّة التضامن فرنسا ـــ فلسطين» مسافة نقديّة منه. ما ندافع عنه هنا هو حريّة الفنّان، على أن يحسم القضاء الأمر لاحقاً، وإن كان هذا الفنّان يتساوى في السوء مع المنتفضين ضدّه: من مانويل فالس سجّان جورج عبدالله، إلى المحامي أرنو كلارسفيلد، سليل صيّادي النازيين الذي أدّى خدمته العسكريّة في «إسرائيل».

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@