في مدينةٍ لا يزال إرثها العمرانيّ عرضةً لأقذع حملات الاقتلاع والتشويه العشوائييْن، نشأت الفنانة اللبنانية ديالا خضري (39 عاماً). وإذ أنها اختارت المواءمة بين ميولها الحداثوية والتعبيرية، فإن خريجة معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية انشغلت في تكريس صراعاتها الفردية مع الهوية والفقد والتحول في مجمل إسهاماتها ومعارضها التي زارت فضاءات متعددة، منذ مشاركتها الأولى في «صالوت الخريف» (متحف سرسق) عام 2002. بشتيتها الاسمنتيّ والبشريّ وتاريخها المُستلب، كان لبيروت عميق الأثر على وعي خضري ورؤيتها الإبداعية، بكل ما يحتمله هذا الأثر من صدام وازدواجية.
من قلب العاصمة المتعثرة بأزماتها، تطلق الرسامة الشابة معرضها الجديد «بيروت في أنماط» في غاليري Art on 56th (الجميزة) بدءاً من 26 من الشهر الجاري حتى 17 تشرين الثاني (نوفمبر)، في محاولة للتنقيب عن هوية المدينة التاريخية التي وارتها مسوخ إعادة الإعمار، وطرح تساؤلات عن طبيعة هذا الإرث ومكامنه ومدى اتصاله بالجيل الجديد. بين تناقضات الإعمار والتهشيم التي تشهدها بيروت على نحو متواصل، تستلهم الفنانة ملامح بديلةً للراهن المهشم. وفي حين أن الغموض والتجريد يطغيان على مجموعة خضري، إلا أن مساعيها في صقل اللوحات بالنوستالجيا الطفيفة والمبهمة تبدو ناجعةً ومكتملةً. في مشروعها الناضج، تتوغل خضري في تضاريس المدينة العريقة، معريةً بنيانها من كل مسّ بشريّ تهديمي، كأنها بذلك تنتشله من حالة الاحتضار والتقهقر. تريد لسكان بيروت أن يفهموا سمات تاريخ مدينتهم وأهميته، لا سيما اليافعين منهم، قبل أن ينقضّ الزمن الآتي على ما تبقى من سيمائها وهياكلها الأثرية.

«بيروت في أنماط» لديالا خضري: من 26 تشرين الأول (أكتوبر) حتى 17 تشرين الثاني (نوفمبر)_ غاليري Art on 56th (الجميزة_بيروت)_ للاستعلام: 01/570331.