الحقيقة، لا أقوى على تمنّي أمر عام، وكل ما أرجوه ألا تزداد الأمور سوءاً في المنطقة العربية المنكوبة بكلّ أنواع الشرور السياسية والثقافية والاجتماعية، والطبيعية أحياناً. وعلى المستوى المهني، أرجو أن يواصل الأدب العربي رحلة كفاحه للتخلص من التصوّر السائد عنه في سوق الأدب الدولية، بأنّه أدب إخباري وظيفته أن يمدّ العالم المتقدم بتصورات جاهزة عن تلك المنطقة المنكوبة من العالم. أدب للحروب الأهلية والاضطرابات السياسية، أدب للاضطهاد الديني والأقلياتي، أدب للمعتقلات والتعذيب.
لا شكّ في أنّ تلك الأمور كلّها من صميم واقعنا الذي نعيشه، ولكن سؤال الأدب كان طوال عمره وسيظلّ في مكان آخر غير الإخبار والإنباء وإبهار العالم المتقدم بفظائع حياتنا التعيسة. نرى الآن روايات، بل وقصائد شعر تُدبّج خصّيصاً للترجمة، ويظنّ كتّابها في أنفسهم العالمية، وهم لا يفعلون سوى ترسيخ كلّ النظرات الكولونيالية والاستشراقية القديمة، وربما بمسحة من تحضر في اللكنة، كأن كاتبنا العالمي يقول: «أنا من يكتب لست من هؤلاء الوحوش، لكنني أخبركم عنهم وأعلن انتمائي لعالمكم النظيف
والإنساني».
بعيداً من المفاهيم الدينية أو القومية حول اللغة العربية وقدسيتها أو أهميتها، فهناك حقيقة واقعية توثِّقها الأرقام والإحصائيات، وهي أنّها اللغة الرابعة في الانتشار عالمياً، بعد الإنكليزية والماندرين الصينية والإسبانية. وتتفوَّق العربية بذلك بدرجتين على الفرنسية، وبثلاث على الروسية وبعدد كبير من الدرجات على الألمانية. ولو استبعدنا لغة الماندرين لكونها خاصة بشعب بعينه غير عابرة للأقطار، ستأتي العربية ثالثةً في الترتيب العالمي من حيث الانتشار الأفقي على سطح البسيطة. تلك حقيقة بسيطة ومعروفة ولا أكفّ عن ترديدها. لم يمنع الانحطاط السياسي لأميركا اللاتينية، ولا لإسبانيا ذاتها حتى وقت قريب، من تبوّء أدب تلك الأمم المكانة التي يستحقها. كتابنا العالميون يواصلون عبر أدبهم العالمي الحفاظ على الوضع المتدني لأدب العربية ربطاً له بانحطاطنا السياسي. هم من حيث لا يدرون أو يدرون، وبترسيخهم تلك الصور، أدوات مساعدة للهيمنة. ولن تنتهي هذه الهيمنة، على الصعيد الثقافي على الأقل، ما لم تنطق العربية بما تستطيع أن تخاطب به العالم، بجدارة وعلى قدم المساواة، فتُجبره على الإنصات.
* شاعر مصري مقيم في كندا