ضمن نشاطها الأسبوعي لموسم 2019، تطلّ «الأوركسترا الوطنية الفلهاومونية» مساء اليوم في أمسية كلاسيكية غربية كالعادة، ضمن برنامج ينهل عموماً من الريبرتوار الأوروبي الضخم. اللافت في الأمسية أنّها تأتي مشابهة لأخرى نظّمها الكونسرفتوار الوطني قبل أقل من سنة بقليل. في شباط (فبراير) الماضي، قاد ميشال خيرالله (يشغل موقع عازف الكمان الأول في الأوركسترا) برنامجاً روسياً جمع مؤلفات لتشايكوفسكي وموسورغسكي وبورودين، وشارك في الأمسية عازف الكمان اللبناني الواعد إيهاب جمّال، حيث أدّى كونشرتو الكمان الوحيد لتشايكوفسكي. في أمسية اليوم، يترك خيرالله مقعد الكمان الأوّل ليتولّى القيادة ويوافيه إيهاب جمّال لأداء عملٍ يجمع الكمان بالأوركسترا. لكن البرنامج ألماني هذه المرّة، ومحدّد بمؤلف واحد، وعليه ثلاثة أعمال مختلفة الشكل، لكنها تنتمي جميعها إلى فئة واحدة: الموسيقى الأوركسترالية. المؤلف هو فيليكس مندلسون (1809 ــ 1847/ الصورة) وسنسمع من ريبرتواره في بداية الأمسية واحدة من افتتاحياته الأوركسترالية الشهيرة وتحمل عنوان Les Hébrides التي كتبها بعد زيارة لاسكتلندا وقصد إحدى جزرها التي أعطت اسمها للعمل. هذه الافتتاحية أقرب إلى القصيدة السمفونية، لسببَيْن: أوّلاً، لأنّها مستقلّة وليست افتتاحية لمسرحية موسيقية كما كان رائجاً في ذاك الزمن (كما عند بيتهوفن مثلاً)، وثانياً، لأنّها مستوحاة من «شيء ما» (أي تلك الجزيرة في هذه الحالة). وظيفة هذا الشكل الموسيقي افتتاح أمسية أوركسترالية. من هنا يأتي موقعها في بداية الأمسية المرتقبة ملائماً لوظيفتها. إلى جانب الافتتاحية «اسكتلندية» العنوان، تختتم الأمسية بالسمفونية الرابعة لمندلسون. وهذا مستغرب بعض الشيء، إذ إنّ العمل المذكور يحمل اسماً أو جنسية إذا صحّ التعبير وهي «الإيطالية»، بينما لدى مندلسون عمل من الفئة نفسها، وهو «السمفونية الاسكتلندية» التي تحمل الرقم 3 في ترتيب سمفونيات المؤلف الألماني الخمس، وكان من الأفضل الإبقاء على هذا التجانس في الهوية بين الافتتاح والختام. أما قلب البرنامج، فيتألّف بطبيعة الحال من كونشرتو الكمان الشهير و«الوحيد» (قبل اكتشاف عملٍ ثانٍ لمندلسون من ذات الفئة) الذي يحمل أحد أعذب الألحان في القرن التاسع عشر (الجملة الأساسية في الحركة الأولى). هنا، ينضم إيهاب جمّال للأوركسترا لأداء هذه التحفة التي سجّلها كل الكبار في القرن العشرين ولغاية اليوم، والتي نعرفها شعبياً في منطقتنا من خلال أغنية «لينا ويا لينا» التي أعدها الأخوان رحباني استناداً إلى اللحن المشار إليه أعلاه (غنّتها هدى خلال حفلة فيروز في «الأولمبيا» في باريس).أمسية في منتهى الجمال والتحدّي بين الكمان والأوركسترا ومتعة الأصوات الآتية من النسيج الأوركسترالي على الطريقة الرومنطيقية… بل على طريقة مندلسون تحديداً، المثقّف الأرستقراطي الذي تميّز أسلوبه في التأليف عن سائر الرومنطيقيين رغم المصير المشترك في المرض والرحيل المبكر (بالمناسبة، تخصّص مجلّة «ديابازون» الفرنسية موضوع غلافها لهذا الشهر لمندلسون، بالإضافة إلى إصدار يحوي معظم أعماله).

* أمسية لـ «الأوركسترا الوطنية الفلهاومونية» بقيادة ميشال خيرالله ومشاركة إيهاب جمّال على الكمان: اليوم الجمعة ــ الساعة الثامنة والنصف مساءً ــ «كنيسة القديس يوسف» (شارع مونو ــ الأشرفية). الدخول مجّاني.