في أقاصي الشمال وتحديداً في مدينة جرابلس (125 كم شمال شرق حلب)، راكم الموسيقي السوري الشاب إياد عثمان (1984 ــ 2019) ذاكرة بصرية من القنوات التلفزيونية التركية التي كان يسهل التقاطها بسبب القرب الجغرافي. هكذا، تعلّق بعازف البزق التركي اسماعيل تونش بلاك، وتلمّست بوصلته بشكل فطري درب الموسيقى باعتبار أنّه ابن عائلة ذوّاقة شجّعت أبناءها على الفن. لذا كان منطقياً أن يقصد «المعهد العالي للموسيقى» بعد انتهائه من الدراسة الثانوية، خصوصاً أنّه يقول في إحدى تصريحاته الإعلامية عن طفولته إنّ «الموسيقى كانت تجري كالدم في عروقي». تعلّم إياد على الآلة التي سبقه إليها أخوه الأكبر عازف البزق السوري المعروف محمد عثمان. النقلة من أجواء الريف البسيطة إلى عوالم متخمة بالتعقيد في عاصمة كدمشق، ومناهج ثقيلة ضمن أسوار المعهد، جعلت الشاب يرتبك ويعود أدراجه ليتهيّأ نفسياً قبل أن يعيد الكرّة في السنة التالية ويبدأ مشوار الدراسة.


جعبته كانت مليئة بالأحلام والطموحات، على رأسها تطوير حضور آلة البزق وتخليصها من الجمود الذي لحق بها بسبب قلّة العازفين الأكاديميين، وإعادتها إلى الواجهة الموسيقية كآلة مهمّة. لكن الموت لا يعترف بفرط الشغف ودفقات الحماس. لم يمهله الوقت الكافي، بل كان أقرب إليه من أي مشروع حالم، واختطفه مساء أمس الأربعاء في بيروت بعدما أمضى حوالي شهر في العناية المركزة في إحدى مستشفياتها.
مرضه بحسب المقرّبين منه كان بسيطاً. في البداية ظهر على شكل نزلة برد، لم يعرها اهتماماً، وتناول أدوية بوصفة الصيدلاني، لكنّها لم تكن مناسبة، فتحوّل الأمر إلى التهاب رئوي مكّن الجرثومة من القضاء على الشاب بعدما واكبته موجة تضامن واسعة ودعوات صريحة للتبرّع بالدم أثناء تواجده في المستشفى. عمل عثمان بعد تخرّجه من المعهد مدرّساً لمجموعات موسيقى الحجرة في المعهد المذكور، ثم مدرّساً لآلة البزق في كلية التربية الموسيقية في «جامعة البعث» في حمص، ثم في «المعهد العربي للموسيقى» في السويداء.
رحيل الموسيقي الشاب زاد من حالة الحزن التي تعيشها دمشق هذه الأيّام، إذ لم يمض سوى ساعات على فاجعة مقتل سبعة أطفال أشقاء نتيجة حريق اندلع في بيتهم، حتى حلّ خبر رحيل عثمان، لتتحوّل صفحات زملائه الموسيقيين والممثلين السوريين إلى خيم عزاء نشرت صور الراحل وكتبت تعليقات متأثّرة برحيله المبكّر!