على مدار ساعة وربع الساعة تقريباً، يأخذنا الفيلم، الذي شهد عرضه العالمي الأول في مهرجان «كارلوفي فاري» في سويسرا، ثم عرض في «مهرجان الجونة» في مصر قبل أن يواصل حالياً جولته في عدد من المدن الأوروبية، يأخذنا لنعيش مع عائلة المخرج، وخاصة الأب أنطوان، الذي تجاوز التسعين، والأم فيفيان التي تصغر زوجها بأكثر من 25 عاماً، ولكنها، ربما بسبب معرفتها بخبر وفاة الابنة، تبدو أكبر سناً وأكثر وهناً وانكساراً. يلتقط سيريل عريس، وهو أحد الأحفاد، لحظات تموج بالمشاعر والفلسفة، وأيضاً بجمال اللغة السينمائية، يساعده في ذلك كونه أحد أفراد العائلة، مما يجعلهم على طبيعتهم أمامه، غير قلقين أو متوترين من وجود الكاميرات.
هذه التلقائية هي ما يمنح الفيلم صدقه ودفئه، حتى لو كان ما يحدث أمامنا عادياً، بسيطاً، حين نقارنه بموضوعات وقصص ربما تكون أكثر أهمية أو مأساوية. بل إن هذه «العادية» تحمل عمقها الشديد الذي يتجلى في لقطات ومواقف وعبارات طبيعية مثل الجملة التي بدأنا بها المقال الحالي، حيث يتساءل الزوجان العجوزان، اللذان قضيا حياتهما في نجاح وسعادة مقارنة بمعظم البشر، ينعمان بالأبناء والأحفاد والصحة والمال، لكنهما يتوقفان ليتسائلا عن معنى الحياة، ولماذا يُخلق الإنسان إذا كان الموت والألم مصير الجميع في النهاية؟!
بالقرب من لحظات ختام الفيلم، تجلس الأم وحدها في الشرفة على الأرجوحة التي كانت تحبها الابنة، وقد قامت بتغيير مكانها وإعادة نصبها على أمل أن تجلس فيها مع الأم، قبل أن تسافر سفرتها الأخيرة. تتأرجح الأم بمفردها، ساردة في حزنها، وتشتتها تحت وطأة الخبر، الذي لا تستطيع حتى أن تشاركه مع زوجها، وتبدو حياتها، وحياتنا جميعاً، كما لو كانت تمر فوق أرجوحة لا تستقر، ولا تستكين أبداً.
هذه الأرجوحة التي ينتهي بها الفيلم، وحيدة في الشرفة، بعد رحيل الأم ثم الأب، عقب نهاية التصوير بأشهر.
في خلفية المشاهد، بطريقة غير مباشرة، لمحات من بيروت المعاصرة، التغيير الذي يجتاحها، والمباني الشاهقة التي تخترق سماءها، والوضع الاقتصادي الذي جعل حتى هذه الأسرة الثرية تعاني من الغلاء، والوضع السياسي المتوتر، المهدد بالاشتعال في كل لحظة.
هذه اللمحات نحسها، نقارنها بظروفنا المشابهة مهما كانت المدينة التي نحيا فيها. هي أيضاً عادية بقدر ما هي قريبة منا، مثل عائلة عريس التي نستشعر أنها عائلتنا أو نستشعر أننا ننتمي كلنا لعائلة عريس!