محمد الروّاس *كان أمين الباشا أستاذي في الجامعة اللبنانية بين عامَي 1971 و1975. كان من المدرّسين الذين أفادونا كطلّاب. حين كبرنا في ما بعد وأصبحنا أكثر وعياً على تيّارات الحركة الفنية اللبنانية، أدركنا أنّه كان مميّزاً جداً وله مدرسة خاصة تأثّر بها كثيرون من أجيال الفنانين المحليين الذين تبعوه. لم يكن تفرّد هذه المدرسة محصوراً بلبنان فحسب، بل في العالم العربي أيضاً. أمين الباشا كان جدياً ورصيناً في التعليم، وامتلك طريقة غير تقليدية في التعليم نسبة إلى ما هو سائد في هذه البلاد.
* تشكيلي وأكاديمي لبناني
■ ■ ■

فاطمة الحاج *
حين يسألونني بمَنْ تأثّرت من الفنانين اللبنانيين، أجيب تلقائياً: أمين الباشا وشفيق عبود. درّسني أمين في الجامعة اللبنانية، وتمكنت من خلاله من استيعاب الحالة اللونية التي هي حالتي الآن. قال لنا إنّ طريق الفن ليست مسدودة، وإنّها ليست مرتبطة بالبيع والشراء. جعلنا نحبّ الطبيعة حين كان يأخذنا لنرسم بين أحضانها. لم يكن أسلوبه في الشرح علمياً أو مباشراً، بل كان يدور حول الإنسان بشكل خفي لمعرفة إذا كان قادراً أو جاهزاً لاستيعاب ما سيقوله له. أمين الباشا هو الشمس والنور واللون. وهو مسكون بالطفولة أيضاً، إذ إنّه كان حريصاً دائماً على إخراج عفويته وإظهارها، وعلّمنا كيف نفعل ذلك بدورنا. نقل حساسيّته اللونية إلى حساسيّته في التدريس؛ فكان يقول كلمته ويبتعد، تماماً كما كان يلوّن ويبتعد عن اللوحة. ترك لنا مدرسة فنية نعتزّ بها، وعلاقة شخصية كنّا نثمّنها ونقدّرها كثيراً أنا زوجي التشكيليّ علي شمس (1943 ــ 2019) الذي كان من طلّابه أيضاً وغادرنا قبل أقل من شهر.
* تشكيلية وأكاديمية لبنانية
■ ■ ■

أحمد عسيلي *
أمين الباشا خسارة للبنان ولبيروت خاصة. أعطاها من عمره أكثر من ستين سنة، يصوّر أحياءها وأهلها وجدرانها وبحر عين المريسة والأوزاعي والروشة، والشرفات الجملية، والمقاهي بقلم الرصاص والحبر الصيني. لا يجاريه فنان آخر في التخطيط السريع (الكروكي). يعرف أين يجب أن يتوقف عندما يرسم أو يخطّط. يمكن اعتباره مؤرّخاً بصرياً لبيروت. فنان رقيق شفّاف كألوانه المائية، لكنّه صلب أيضاً، إذ يختفي التأليف (composition) في مائيّاته بذكاء وعفوية، وراء الضربة والزيح واللطخات اللونية التي يضعها لمرّة واحدة. من هنا، فإنّ لوحاته المائية أكثر صعوبة من زيتيّاته التي كان يجعل اللون فيها مشبعاً وغنياً. هو في طليعة من أدخل الحداثة على التشكيل اللبناني المعاصر مع بعض الرفاق، أمثال: شفيق عبود، حليم جرداق، جان خير الدين وآخرين. فنان بدأ عصامياً وسط عائلة غنية بالفنانين والموسيقيين، من بينهم خاله الموسيقي خليل مكنية، وتوفيق وعبد الرحمن الباشا. لم تنجب بيروت أرقّ أو أهم منه في تقنية الأكواريل. تتلمذ في بداية الخمسينيات على يد الفنان الكبير رشيد وهبي (1917 ــ 1993). كأستاذ في «معهد الفنون الجميلة» في الجامعة اللبنانية، كان صديقاً للطلاب يدافع عن المظلومين منهم، يعلّمهم بالضربة وبالخاطرة، ويرسم كأنّه دجاجة تنقل حبات القمح من الحقل. لا شك عندي في أنّه صاحب أسلوب خاص، تُعرف لوحته من بين مئة لوحة مائية. منذ منتصف الستينيات، حاول عدد من طلّابه تقليده وسار آخرون على دربه... درب العفوبة والصدق والشفافية والرؤية اللماحة. بيروت يجب أن تحزن كثيراً لفقده، على أمل أن تُجمع أهم أعماله في «متحف الفن الحديث» الذي لم ينشأ بعد. فهل تكون بيروت وفية لمبدعيها؟
* تشكيلي وأكاديمي لبناني
■ ■ ■

سمير الصايغ *
ينتمي أمين الباشا بقوّة إلى فن الحداثة كما عرفته الحياة الفنية في منتصف القرن العشرين في العواصم الأوروبية الكبرى. وهو بالتالي واحد من الفنانين اللبنانيين الذين أسّسوا حركة الفن الحديث في لبنان والعالم العربي. تتجلّى هذه الحداثة في فهمه الجديد للعمل الفني ولدور الفنان. صحيح جداً أنّه رسم الطبيعة ورسم ناس المقاهي وكانت المدينة حاضرة في دفاتره وعلى لوحاته، لكنّه لم يكن أبداً لينقل ما يراه كما هو إلى العمل الفنّي. لقد كان يرى إلى الداخل وكان في الوقت نفسه يرسم كمن يتحدّث ويلوّن كمن يكتب. لذلك، سنحتاج الى وقت طويل لقراءة هذا الفنان. فإنتاجه كثير، ذلك أنّه كان إذا أراد أن يفكّر يذهب إلى الرسم، وإذا أراد أن يستريح يذهب إلى التلوين، وإذا أراد أن يحدّث، يذهب إلى الكتابة. هكذا جعل من الفن أسلوب حياة وعاش فنّه كحياته. يصعب الآن اختصاره، فهو فرح، لكن حزنه عميق. بسيط وواضح، إلا أنه في الوقت نفسه معقد وغامض. يشع الضوء من ألوانه، غير أنّ عتمة ما سرعان ما ترمي علينا ظلّها. كان دائماً حاضراً بيننا، وكان أيضاً غائب الحضور.
* فنان وشاعر ومنظّر لبناني