أمس، اندلع حريق في مرسم منذر مصري. المرسم الذي لا بد أن يزوره أي مثقف عابر إلى اللاذقية، لا تكتمل الزيارة من دون عناق صاحب «بشر وتواريخ وأمكنة» الذي لم يغادر مدينته كي يحرس ذكرياته ولوحاته ومسوّدات قصائده. شبّ الحريق في ذلك القبو الأليف بغياب صاحبه. ماس كهربائي أطاح زمناً كاملاً. اختنق موسيقيو الجاز في الأسطوانات، ولم يُغثهم أحد. رفوف الكتب تحوّلت إلى فحم. الحياة الصاخبة في هذا القبو الأليف التهمتها النيران. كأن الحرب أغلقت قوسها بعنف على كل ما لا يشبهها، لتمحو بياض أرواح كانت تخفق بين الجدران. أرشيف ضخم للعصيان تبخّر في لحظات. ليس هذا الحريق كارثة شخصية لمنذر مصري وحده، بل لحشد من أصدقاء المكان. كتب عادل محمود ما يشبه المرثية «في هذا الحيّز الكريم ظلال 3 أجيال، على الأقل ، من الشعراء والفنانين والسياسيين والمثقفين و… الجميلات اللواتي، وحدهن، ينقذن روح هذا المكان الإبداعي، محترف النزاهة والشعر والموسيقى… ينقذن مرسم منذر...ثمة كثيرون سيمسحون الهباب عن خد المكان.
من فرط الأسف والحزن… سأقول: تعال، يا منذر العزيز، نعتبرها خسائر وليس هزائم!»، وكتب ثائر ديب على صفحته في فايسبوك «اليوم صباحاً رأيت ما فعل الحريق الكهربائي بمرسم منذر وكتبه وأشرطته وأسطواناته ولوحاته. رأيت الهباب السميك الذي يسوّد حياتنا وهو يحاول أن يسوّد ما في "غوّاصة" منذر من ثقافة وفنون لا تُحصى. ورأيته وهو يجاهد الهباب الذي لم يدع ولو ذرة من بياض في أيّ بقعة.
هباب مسيك أشبه بالدهن الذي يعلق على القدور وبالقراد الذي علق على أقدار البشر وأعمارهم في هذه الأصقاع المنكوبة.
هباب مسيك، سميك، فاحم، فادح ... لكني ما إن مددت إصبعي بحزم وصدق وحبّ ومسحته عن أحد الكتب حتى هبّ البياض ونفر من جديد». من جهته، اكتفى منذر مصري بعبارة واحدة: «المكان الذي جمعت فيه حياتي، والذي لم أغادر سوريا من أجله، كله هباب أسود».