جاء الأوسكار وانتهى، ولم يسمع الإعلام السوري الرسمي أو المقرّب منه بحضور سينمائيّ من أبناء البلد في حدث هوليوود الأكبر. لا حديث عن «عن الآباء والأبناء» (2017، 99 د.) لطلال ديركي (مواليد دمشق ــــ 1977)، عند تناول الحدث، وهو المنافس على أوسكار الوثائقي الطويل. لماذا؟ لا شك في أنّ محتوى الشريط لا يتوافق مع كاتالوغ الانتماء «الوطني»! الحقيقة أنّه على العكس تماماً. التسجيلي المحكم يطلق النار على الإرهاب من داخله، من خلال معايشة ديركي نفسه لعائلة «الجهادي» أبو أسامة. أكثر من ذلك. مشاركة صانعه في الإنتاج، وفحوى مضمونه، يجعلانه منتجاً سوريّاً بامتياز. إذاً، ما المشكلة؟
من الفيلم

ذنب طلال في نظر محرّكي الإعلام السوري بالهواتف والتوجيهات، أنّه لم يجزّئ صورة الكارثة. لم يعتبر قسماً معيناً فقط من السوريّين جديراً بالأفلمة والتعاطف والمساندة. شريطه السابق «العودة إلى حمص» (2013، 94 د.)، واكب تطوّر الحراك في حمص. كان الجزء الأوّل من مشروع «سوريا والحرب»، الذي يعمل عليه. «خطيئة» الرجل أنّه متحرّر من اعتبارات مفصّلة على مقاس موزّعي صكوك الوطنيّة، فلم يعد من «البطانة» المرضيّ عنها. هكذا، تتحدّث آلاف وسائل الإعلام عن «عرب الأوسكار»، فيما يعيش إعلام بلد كامل في كوكب آخر. تزدهر قصّة نجاح «عن الآباء والأبناء» منذ «جائزة لجنة التحكيم الكبرى لأفضل وثائقي أجنبي» في «مهرجان صندانس السينمائي» 2018، وصولاً إلى الأوسكار، ومروراً بحوالي 40 جائزة و120 مهرجاناً دولياً، فيما تنمو عقلية «تكاثر أنثى البطريق» في الإعلام المحلي. ألا يحقّ للمواطن السوريّ أن يعرف إنجازات أبناء جلدته من إعلام يموّله من ضرائبه؟
ما حصل مع ديركي مثال صارخ على حال شريحة من السوريّين.



يحقق فيلماً عن الحراك، فـ «يهيج» ضدّه جانب السلطة، ويدرج اسمه ضمن «القائمة السوداء» إعلامياً (بالمناسبة: أظهر توجّه بطله الساروت إلى التطرّف آخر الشريط، رغم إظهاره بطلاً شعبيّاً في البداية). يتابع بعنوان عن «كابوس» التطرّف، ليهاجمه «شبّيحة» المعارضة، وأبواق «الثورة»، على اعتبار أنّه يتبنّى «رواية النّظام». طلال ليس بطلاً أو مسيحاً. لا أحد بوارد الدفاع عنه. الرجل، ببساطة، سينمائيّ قد يخطئ، وقد يصيب.
هذه ليست السقطة الأولى، ولن تكون الأخيرة، لإعلام سلطة، لا إعلام دولة. قناته الرسميّة ترفع شعاراً لا تطبّق حرفاً واحداً منه: «شاشة وطن».