هذه المرّة يلتفت نزار صابور إلى قديسين يعيشون بيننا، يعيد تشكيل معجزاتهم الدنيوية، يعجن أعمالهم بطريقته الخاصة، عبر استحضار عناصر أساسية تشير إلى مفرداتهم كنوع من التحية إلى هؤلاء الذين صنعوا الذاكرة الإبداعية السورية، سواء في التشكيل أو الشعر أو الكتابة، وكأنه بذلك يدعونا إلى وليمة من اللون والكلمات بدلاً من وليمة الدم. محاربون واجهوا خسائر الضمير ببسالة الحضور والمواجهة الصلبة لهشاشة اللحظة وتمزّقات الخريطة. نحو 70 شخصية سورية معاصرة استحضرها هذا التشكيلي الشفيف في فضاءٍ واحد، معتبراً إياهم جداره الاستنادي وبوصلته الشخصية في ترميم العطب الذي خلّفته الحرب في الأرواح. أيقونات نورانية تشعُّ في الليل الطويل الداكن، كأنه يهتف: بهؤلاء سأحارب الخراب. كما يلفت إلى ثراء التراب السوري بصنّاع أرشيف الجمال ومؤرخي الروح بصرف النظر عن موقفه الشخصي من هذا الاسم أو ذاك، فها هو يفتح ذراعيه على اتساعهما لعناق تجارب متنافرة، قد لا تشبهه، أولا تتقاطع مع مغامرته اللونية كنوع من الاعتراف لبصماتهم وحفرياتهم في الوجدان السوري. هكذا استعدنا أمس في صالة «المركز الوطني للفنون البصرية» في دمشق، أرواح من رحلوا، أو هاجروا، أو انكفأوا إلى عزلة قسرية، من فاتح المدرّس ولؤي كيالي ونذير نبعة إلى يوسف عبد لكي وصفوان داحول وأحمد معلا. وفي فضاء آخر، سنلتقي حنا مينه وسعد الله ونوس وأدونيس. وسنردّد مقاطع شعرية مع محمد الماغوط، ونزيه أبو عفش، وممدوح عدوان، ومنذر مصري، إذ يشتبك الإيقاع بين اللون والكلمة. على الضفة الأخرى، سنتعرّف إلى جوانب من تجربة نزار صابور في مراحلها المختلفة التي تمتد إلى نحو أربعة عقود من الروحانية المشرقية والمقترحات التقنية اللافتة في إضفاء لمسة شخصية على الأيقونة السورية في إشراقاتها الدنيوية، و«حدائقها اللونية».
*معرض نزار صابور ــ حتى 31 آذار (مارس) ـــ «المركز الوطني للفنون البصرية» دمشق ــ للاستعلام: 009631133920314