غاب الشاعر العراقي فوزي كريم (1945-2019) قبل ساعات. رحل بهدوء يشبه حضوره المتفرّد وألفته الآسره. كان واحداً من شعراء الستينيات، ولكن بلا ضجيج أو صخب أو بيانات نارية. اعتنى بقصيدته كمن يبذر نبتة في أصيص بإخلاصه للإيقاع مازجاً الموروث الشعري العربي بفتنة الحداثة، وهو ما سيقوده لاحقاً للاهتمام بالموسيقى الكلاسيكية بقراءات لافتة. كما سيعتني باللون كرسّام. غادر بغداد باكراً نحو بيروت ثم استقر في لندن كمكان إقامة. منذ ديوانه الأول «حيث تبدأ الأشياء» (1968)، اختط مساراً شعرياً خاصاً به، من دون هتاف. شاعر حزين ومرتبك وأعزل، يحمل على كتفيه منفاه الداخلي وترحاله الأبدي بين الأمكنة. روح قلقة أسماها «عثرات الطائر». من ضفة أخرى، انخرط صاحب «لا نرث الأرض» بتشريح الشعر العربي نقدياً، فكان كتابه «ثياب الامبراطور ومرايا الحداثة الخادعة» (2000) عتبة أساسية في قراءة الحداثة العربية من موقعٍ مغاير، وسوف يستكمله بكتابين آخرين هما «شاعرُ المتاهةِ وشاعرُ الراية، الشعرُ وجذورُ الكراهية»، و«القلبُ المفكر، الشعرُ يُغنّي، ولكنه يُفكّر أيضاً» (2018)، بالإضافة إلى مجلته «اللحظة الشعرية». وكان ديوانه الأخير «ما الشعر إلا زلّة لسان» (المتوسط ــــ 2018) خلاصة تجربته الشعرية المسبوكة بنبرة مفارقة، أو ما أسماه سعدي يوسف «التحديق الثابت في قرارة الفاجعة»، فيما وصف علي جعفر العلّاق تجربته بقوله «لـم يكـن شعـره خيطاً متجانساً مـع نسيـج السجادة السـتينية التي حاكتهـا مصـادر ثقـافية عديدة: متنافرة حيناً، أو منتزعة من منجمٍ بعيد عن لوعة الذات في أحيان أخرى»، ووفقاً لما يقوله حسب الشيخ جعفر مختزلاً مغامرته الشعرية «براءة البريّة والخسران».