الرباط | ما عاد يحتمل الأرض، وما عاد يحتمل الجالسين، مثلنا نحن ربما، كما قال في إحدى قصائده. هكذا اختار أنسي الحاج أن يغادرنا فجأة بعد صراع قاس مع المرض، لم يعد بيننا لأن ريشة من عصفور في اللطيف الربيع كللت رأسه، كان للشاعر الكبير جمهوره العريض. ليس في لبنان وحده فقط، بل في كل بقعة من بقاع الوطن الذي يتنفس العربية. لذلك اتشحت جدران جمهوره المغربي بالسواد بمجرد أن وصل الخبر الحزين.
صحافيون، كتاب، مدونون، ناشطون شبابيون، ومتذوقون للشعر، وحّدهم الحداد على رحيل أنسي. الفايسبوك المغربي غطته "لن" وزينه "الرأس المقطوع ". الصحافي والشاعر المغربي محمد أحمد عدة كتب على صفحته على الفايسبوك: " أيها العالم، مات أنسي الحاج، بمقدمة ديوانه "لن" يكون أنسي الحاج الشاعر العربي الوحيد الذي كتب بياناً أصيلاً ومؤسساً لقصيدة النثر العربية، خارج قطيع سوزان برنار، وداخل شرنقة الشذرة المختزلة لليومي، خونه كثيرون ممن أرادوا ان يكون الشعر بياناً إيديولوجياً، وأبعده عن مملكة الشعر آخرون أرادوا صلب الشعر الى عمود القصيدة، وطارده سفلة التفعيلة. وداعاً يا صاحب الوليمة".
الصحافي محمد أحداد كتب غير مصدق موت أنسي الحاج " هل فعلا رحلت دون أن تكمل رحلتك في أعالي القصيدة؟ أنت من خارج الأرض جئت شفافاً، رسولاً للكلام الطيب، صمتّ عن الكلام الرديء" ماذا صنعت بالذهب، ماذا فعلت بالوردة؟ القدر انتقم مد "رأسك المقطوع" وصعدت إلى حتفك باسماً... وداعاً أنسي". أما رسام الكاريكاتور المغربي خالد الشرادي، فكتب: «فقدان الكبار المؤلم. عملاق جديد يرحل، يبدو أنه لن يبقى سوى الرديئون على هاته الأرض".
بينما تعيش الدار البيضاء معرضها الدولي للكتاب هذه الأيام تؤبن روح "الفاجومي" الراحل أحمد فؤاد نجم، سقط خبر الخسارة الفادحة. الشاعر محمد عابد لخص كل شيء في جملة واحدة "لقد خسر الشعر طراوته في غيابك يا أنسي". صديقه الشاعر محسن العتيقي هو الآخر قال إنه لا شفاء من إدماننا على أثر أنسي الحاج، وأضاف "حقق النجومية في مجال لا نجومية فيه، فجعلنا نستلهم ميزان جملته الشعرية، تقديمه وتأخيره للكلمات، قرار العبارة كما لو كانت مقاماً موسيقياً. لم نسلم من صورة المريدين، ولم يشأ في المشيخة الشعرية. لكننا تبعناه كما يتبع الجمهور المغني، وكذلك كان منشداً للحياة والحلم، متصوفاً وعازفاً على الربابة اللغوية، أفقده الجمال جماله، فأيقن الشعر التام في نسيانه، ولا شيء أوقفه، فجعلته القناعات معلماً نبيلاً".
العزاء واحد. قلة هم الشعراء الذين استطاعوا أن يخلقوا حولهم إجماعاً من المحيط إلى الخليج، وأنسي الحاج كان واحداً من هؤلاء فلا عجب أن يكون موته صادماً لمحبي قصيدته في كل مكان، هوواحد من أولئك الذين يزلزلنا موتهم، يكون موتهم قاسياً علينا لدرجة الإنكار، أنت لم تمت يا أنسي، كلما تعبنا سنستحضر "خواتمك"، وداعاً يا معلمناً، لك من المغرب سلام.