عادت بول مارشال ذات يوم محبطة من دوامها في مجلّة Our World. ربّما كان الاستياء هو الشعور الأدق لتوصيف حالة خوفها من صرف حياة بأكملها في العمل محرّرةً لمجلّة من الدرجة الثالثة. في الليلة نفسها، بدأت بكتابة روايتها الأولى «فتاة بنية، حجارة بنية» (1959)، التي اعتبرها النقاد أولى الروايات النسوية السوداء، والجسر بين جيلي من الروائيات الأفرو أميركيات، بين جيل زورا نيل هيرستون وجيل توني موريسون وأليس ووكر وجامايكا كينكايد وأخريات. قبل أيام، فيما كان الوسط الأدبي مشغولاً برحيل توني موريسون، خسر الأدب الأسود وجهاً آخر، هي الكاتبة الأميركية البربادوسية بول مارشال (1929 ــ 2019) التي رحلت في أميركا. ربما لم تحقّق مارشال الشهرة التي نالتها موريسون، لكن ليس ذلك السبيل الوحيد للمقارنة بين الروائيتين اللتين جمعتهما ثيمات مشتركة، منها العرقية والشتاتين الأفريقي والكاريبي من وجهة نظر نسوية وعبر نساء مسكونات بهاجس الماضي وتاريخ العبودية الثقيل والجذور والأجداد التي اختصرت مارشال ذات يوم علاقتها معهم بأنها لا تخجل «من عبادة الأجداد». أجمع بعض النقاد على أنه لو كتبت مارشال باكورتها في السبعينيات، لا في الخمسينيات، لنالت الشهرة التي حقّقتها توني موريسون لاحقاً. والمقصود بالطبع رواية «فتاة بنية، حجارة بنية» التي قدّمت فيها فصولاً من سيرتها الذاتية عبر بطلة سوداء يافعة تدعى سلينا. ولدت في بروكلين مع أختها ووالديها الباربادوسيين. مصيرها محكوم بجلدها الأسود، وبالفقر الذي يصيب العائلة بأكملها. لم يفرغ أدب مارشال الجغرافيا من ثقلها الهوياتي والسياسي، ولم يخفّف الخيال من وطأة الإرث الكولونيالي، خصوصاً في بلدها الأم باربادوس (البحر الكاريبي)، ولا من الأحداث السياسية الكبرى في أميركا (حيث ولدت وعاشت) مثل الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية. كتبت مارشال الشعر أوّلاً وتخلّت عنه لاحقاً لأجل النثر بين القصة القصيرة، ورواياتها الخمس: The Chosen Place, The Timeless People عام 1969، وPraisesong for the Widow عام 1983، و«بنات» (Daughters) عام 1991، وThe Fisher King التي كتبتها عام 2000، كسيرة لعازف الدرامز سوني باين ومعاناته مع العنصرية في أميركا. لكن النساء سكنت معظم قصصها، بوصفهنّ راويات أولاً. وقد جسّدت مصدر قوّتهن في فعاليّتهن في نقل إرث الأجداد والحفاظ عليه. هذا تماماً ما كانت تفعله أمها وصديقاتها عبر أحاديثهن في المطبخ التي كانت مصدرها الأوّل للشعر والحكاية. في مقالتها «من الشاعرات في المطبخ» (1983) استعادتهن مارشال بالتفصيل: «لا يبدين كشاعرات، لا شيء فيهن يوحي بأن الشعر كان نداءهن... كنّ فقط مجموعة من الزوجات العاديات والأمهات، من بينهنّ أمي. كن يلبسن بطريقة (الفساتين الفضفاضة، والقبعات الرثة، والمعاطف الداكنة، والطويلة) يستحيل معها أن أتخيّل أنهنّ كنّ يافعات يوماً». في رواياتها، كلّ ما تحصده النساء في النهاية هو أنفسهن وصوتهن الداخلي. لكن ذلك لا يحدث قبل خسارتهن الحب والأزواج والأجنّة، مثل أورسا ترادجز التي تجهض جنينها في بداية رواية «بنات»، وآفي جونسون بطلة Praisesong for the Widow التي تفقد زوجها، إلا أن وجودها في جزيرة غرينادا الكاريبية، ومشاركتها في احتفالات طقوسية هناك، تصلها مجدداً بجذور حياتها.
اعتبرها النقاد الجسر بين جيلين من الروائيات الأفرو أميركيات

هكذا حاولت مارشال طوال حياتها نقل السلطة إلى بطلاتها من النساء، في محاكاة لما يفعله الروائيون مع أبطالهم الذكور «الذين يكونون دائماً إما متجوّلين أو تجّاراً... أردت تغيير قاعدة السلطة هذه. أردت أن تكون النساء هن صاحبات القوّة». إلى جانب هويّاتهن الجندريّة، استمتعت مارشال دائماً في وضع بطلاتها في رحلات بحث طويلة عن هويّاتهن الإثنية، هي التي وصفت انتماءها بمثلث يمتدّ بين بروكلين التي وُلدت فيها، وباربادوس وأفريقيا. وبعيداً عن الأدب عملت في المجال الأكاديمي محاضرةً في جامعات أميركية عدّة منها «يال» و «كولومبيا»، و«فيرجينيا كومون ويلث»، و «جامعة نيويورك»، وكتبت القصة القصيرة في مجموعتين منهما Soul Clap Hands and Sing التي نشرتها عام 1961، وهي عبارة عن أربع قصص طويلة تدور كلّ منها في منطقة معينة، منها باربادوس والبرازيل وبعض الجزر في أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، مقتفية للمرّة الأولى والوحيدة ربّما أربعة أبطال ذكور. أما تلك البلدان، فقد كانت قد تعرّفت إليها أثناء عملها على تغطيات في المجال الصحافي، الذي اضطرّت بسببه وخوفاً من أن ترفض في الوظيفة إلى تغيير اسمها من بولين إلى بول. لكن خلال تلك السنوات القاسية، هناك من حرّضها على الاستمرار بالكتابة، وهو الشاعر الأفرو أميركي لانغستون هيوز الذي ارتاد حفلة توقيع روايتها الأولى، واصطحبها معه في جولة شعرية أوروبية خلال الستينيات.