لم يغيّر الزمن شيئاً في حماس السينمائي السوري محمد ملص. مازال مقبلاً على المشاريع الشبابية، وطافحاً برغبة الإنجاز وشغوفاً بكل إبداع. السقوف معه تذهب نحو أماكن مختلفة، حتى ولو وجد نفسه في مواجهة الحقيقة المطلقة سيعرف كيف يقولها بلغة مهذبة لا تجافي المنطق السينمائي الراقي. أخيراً ترأس صاحب «أحلام المدينة» لجنة تحكيم «تظاهرة الأفلام السينمائية الشابة» التي أقيمت على هامش «مهرجان الدلبة الثقافي» في مشتى الحلو. تبنّى ما قدّم واعترف برداءة غالبيته، لكّنه أوضح الجوهر المقصود من ذلك. يملك 4 نصوص سينمائية جاهزة للإنتاج، لكن من أين يجد منتجاً؟ هذا هو السؤال الأحجية! لذلك لا يرى أن صالة العرض هي المشكلة الرئيسة في تهالك السينما السورية اليوم، إنما الحصار المفروض الذي يمنع السينمائيين من إنجاز ما يريدونه بحرية. «الأخبار» التقت ملص وكان هذا الحوار:
* كأن الزمن مع محمد ملص لا يتغير بما يخصّ طاقته واندفاعه وحماسه تجاه أي تجربة شابّة، أو عندما يطلب لدعم مشروع ناشئ، بماذا يمكن أن تعلّق؟
- أعتقد أنها لعنة السينما، إذا أصابت أحد بات من الصعب التخلّص منها، أو الابتعاد عنها، ستظل تلاحقه ويلاحقها، لذا عندما أرى أي مشروع أو نشاط سينمائي أسعى نحو دعمه واحتضانه بكل ما أوتيت من قوّة، ولا يعنيني أن أكون صانعاً أو مشاركاً، خاصّة في السنوات الأخيرة التي أصبحت هذه اللعنة أكثر إلحاحاً أو إصراراً من قبل. اليوم نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى لوعي سينمائي واهتماماً أكبر بهذا الفن، وأن يكون قادراً على عكس الحياة الاجتماعية لهذا الشعب، حيث سعى كثيرون لحرفه عن المسار الصحيح. الزمن لا يلعب أي دور في خفوت هذا الشغف والولع بالسينما!

* كنت رئيس لجنة تحكيم لتظاهرة سينمائية شابة أقيمت على هامش مهرجان بسيط في الريف السوري. حينها تابعنا الأفلام داخل كنيسة، بسبب عدم تواجد صالة عرض صحية، ماذا يعني لك تسلل السينما إلى دار العبادة؟
- حين لا تتاح لك الفرصة لتقديم مشروع سينمائي بحريّة وبظرف عرض لائق، لك أن تقدّمه في أي مكان، فالمهمة الأساسية للسينما هي المساعدة في التعرّف على أنفسنا وواقعنا، وإن استطعنا إقامة هذا العرض في أي مكان سيكون أمراً جيداً. ومن يرفض ليرفض ومن يقبل ليقبل، يجب ألّا تبقى صالة العرض عائقاً أمامنا، ولو قدمّت الكنيسة هذه الخدمة، سيكون أمراً جيداً!

* المخيلة ليس عليها لا رقيب ولا حسيب... لذا تخيّل معي أن تستبدل دور العبادة في سوريا بصالات عرض سينمائي ومسارح، هل هذا شرط صحي ويمكن له أن يدفع المجتمع نحو التحضّر، أم أنّه تدخّل وتعدّ على خصوصيات قد تواجه حرباً ضروساً من أصحاب المعتقدات الدينية؟
- الوضع الطبيعي أن يكون هناك صالات عرض كافية، لكن في بلد تقاعس فيه كثيرون عن تفاصيل مهمة ومنها السينما يحصل أكثر من ذلك. عندما لا تتاح لك الفرصة بأن تقدم مشروعاً سينمائياً بحرية ووضوح، هنا لبّ المشكلة... أما أين يقام العرض فهذه ليست القضية الجوهرية. علينا ألا نفكرّ بأن غياب مكان العرض هو مأزق يثير مشاكل لها علاقة بصلب الأزمة الثقافية.

* في تظاهرة السينما الشبابية الأخيرة التي أقيمت في «مهرجان الدلبة الثقافي» (مشتى الحلو) أتيح لنا أن نشاهد جزءاً من الأفلام القصيرة المشاركة، لكن لم يكن هناك شيء مبشّر! سبق أن كنت على مقربة من نعوة مهنة المخرج بسبب التكنولوجيا المتطورة! هل هي التكنولوجيا أم التلفزيون أم الواقع السيء من يعبث بالمنطق الشبابي الإبداعي، وكيف تكون مسؤولاً عن لجنة تحكيم لتظاهرة حيث مستوى الافلام فيها رديء؟
- سؤال مهم! أولاً هذه الدورة الأولى لذا فإن التجربة في بدايات التكوين، وقد كان وراءها هدف تمثّل بدعوة كل من يحقق أفلاماً في سوريا حول وعن بلده بدون أي شروط لا فكرية ولا فنية، وتقدّم إلى هذا المهرجان أكثر من 51 فيلماً، لم يكن الهاجس السينمائي هو الهدف، إنما أن يطل الجمهور على ما يصنعه السينمائيون الشباب الهواة غير المحترفين، ومعرفة كيف يفكرون سينمائياً. كان لا بد من مشاهدة سوريا بصورتها حسبما يقدمها شباب سينمائيون للمرة الأولى من دون البحث عن التصنيفات. الهدف هنا أن يكون من يحقق الفيلم قد عرف تماماً مفهوم الفيلم الروائي القصير. أما من لم يتمكن من معرفة كيف يصنع فيلماً، فقد أخرج. لم نخضع الخيار للتصنيف.


* طالما كانت للجغرافيا والدلالة المكانية حاضرة في سينما ملص. دعنا نسأل ربما لم يتح للسوريين الإطلاع على بيئتهم المبهرة على المستوى الجمالي. إلى أي مدى يمكن للتعاطي مع الطبيعة الخلابة أن يفتح المخيلة ويكون بمثابة ملهم ويعطي فرصة لتقديم صورة سينمائية خصبة تشبه الطبيعة؟
- ليس جمال الطبيعة هو من يفتح المخيلة. هناك مخيلات لا تفتح، وبعضها مفتوحة ودفاقة من دون أن تتعرض لتجديد الرؤيا. السينمائيون والتشكيليون السوريون على إطلاع ومعرفة وينتمون لبيئات مختلفة، وقد انعكس ذلك في المشاريع السينمائية. لكن الناقص في بلدنا هو إما أن يصنعوا فيلماً روائياً وإمّا لا، وهذا غير صحيح، فمثلاً ليس لدينا أفلام تهتم بالسياحة، أو تضع المجهر على بعض الأمراض الاجتماعية التي نعانيها, نكاد نصل إلى قناعة أنّ السينما السوريّة على مدار 40 عاماً لم تتمكّن من بناء علاقة متينة مع الناس بما ينتج وبكم الأفلام وحتّى في طريقة العرض، دائماً نصنع في العام فيلمين أو ثلاثاً ولا نعرف متى سيتهم عرضها، هذا هو مرض السينما في بلدنا وبُحّت حناجرنا ونحن ننادي ولكن لا حياة لمن تنادي! لذا يجب أن نتوجّه إلى «وزارة السياحة» لتقوم بإنتاج أفلام سياحية وتكلّف السينمائيين لصناعة سينما سياحية.

* أنت تنجز بقلّة أو كما يقال بمزاج، لكن يؤخذ عليك الحدّية والقسوة في التصريحات، وكنت تبدي رأيك بالكثير من الأمور بصراحة، لو امتلكت آلة الزمن وعدت إلى الماضي هل هناك رأياً صدر عنك تودّ لو تلغيه كليّاً؟
- سؤالك يشبه الرصاصة، وما يقال عن الحدّية بالتصريحات غير حقيقي، ما يعرف عني أنني أتصف بالصمت، أقول في نفسي إما السينما أو الصمت، وقد أخذت عهداً أن أقول رأي وما أريده من خلال لغة أحبها وأعشقها وهي السينما، قل لي أيّاً من أفلامي يتصف بالحدّة؟! بل جميعها تتصف بالحقيقة، ومن يوصمني بالبطء في الإنجاز، أردّ عليه بأنني لم أخرج فيلماً إلا وكان ضمن المعايير السينمائية، صنعت أفلاماً بميزانية لو ذكرتها الآن لما صدّقني أحد، وأنا اتهم سينما اليوم بالخروج عن المعايير.