هل ينجح لبنان أخيراً في ما فشلت فيه الثورات العربية الحديثة، وهي كلها ضدّ المستبدّ العربيّ، لا ضدّ الاستعمار، بل «ضدّ الاستحمار» كما قال مولانا علي شريعتي؟ لقد استفاد الشباب العربي في بيروت وغيرها من بقاع هذا البلد الحبيب مِن «خيبات» مَن سبقه، خاصة في مصر، وحلمنا أن ينجحوا، فالشعب كله تقريباً خرج اليوم هناك ضدّ أيّ طائفية، ضدّ أيّ تطرف، ضدّ أي سرقات تمصّ دم الناس ولا يرون منها حتى الفتات، لبنان الذي علّم معظم العرب في البدايات الصحافةَ، وغيّر أسلوبية قديمة عتيقة لتنبت أخرى جديدة صارت من علائم الزمان اليوم، لبنان الزمردة التي تشعّ كأيقونة أمام العرب، وبعضهم يسيء الرؤية وتَعمى لديه البصيرة، وبعضهم يُسرّ الحسد والضغينة، وبعضهم لا يراها إلا ملعباً ولهواً وتسلية، وهي في شُغل عنه باعتناق كلّ جديد وعصرنة كلّ حداثيّ، فهي في النهاية، بل منذ البداية، حلم له طعم خاص، حلم مثل تصميمات الباوهاوس قابل للتحقّق والمعاصرة، قابل لأن يراه الجميع واقعاً وليس حلماً، فالظاهر والباطن متّحدان منفعلان مشتبكان، لا فاصل بينهما إلا بشكل واهٍ غير مألوف ولا معروف، غير محسوس ولا ممسوس، لا هو بالجديد ولا بالعتيد، لأن جديده مهضوم من قديمه، وقديمه كان متوتّراً يسعى إلى جديده، من دون جهد أو عناء، لبنان لبنان، كلّ قلوبنا معك، ومنك حلمنا أن يتحقق ولو مرةً في دنيا العرب المستذَلّين، المهانين، دموعنا معك، وانتظار أفراحنا معك، فاصمد لبنان، أمام حمم المستبدين فيك ومن حولك، لبنان منك الأمل، فإلى قوة العمل.
* شاعر ومترجم مصري