ما زال رامي خليفة يجول بموسيقى ألبومه الجديد «لوست» الذي أطلقه الربيع الماضي في بيروت. هو عمل شخصيّ جداً عمل عليه على مرحلتَين لكي ينضج ويصل إلى العمق الذي أراد منحه إياه. لم يكن من السهل على خليفة الاقتناع بفكرة الألبوم في البدء. العمل عليه أتى على مرحلتين لتكون النتيجة 13 مقطوعة يتداخل فيها البيانو مع صوت الفنان. في هذا الإطار، يقول خلال حديث مع «الأخبار»: «تركت لنفسي الوقت لكي أفكّر في صيغة مختلفة ولكي ينضح العمل. عدت بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات إلى الاستديو لأسجل الجزء الثاني منه. كنت بدأت عام 2012، لأعود وأنهيه عام 2017. بعدما سجّلت الأغنية الأخيرة، اقتنعت أن هذا ما أريده، خصوصاً أنه ألبوم شخصيّ جداً وحساس. أردت أن أعطيه معنى حقيقياً والعمق الذي كنت أبحث عنه». مع أنّ المقطوعات تتأرجح بين مشاعر مختلفة، ينبع كلّ منها من حالة معيّنة مرّ بها الفنان، يشعر المستمع أنّ جواً من الحنين والحزن يخيّم على الألبوم. وهذا طبيعي بما أنّ التأليفات تتحدث عن الطفولة والذكريات والأيام التي مرّت ولن تعود: «ما حثّني على إصدار هذا العمل هو رغبتي في إخبار قصتي وإظهار حقيقة الأمور. أحببت التحدث عن الأحاسيس التي شعرت بها من دون فِلتر أو ستار. وأحببت أن أقول الأمور التي تخرج من قلبي ومن دون أن يكون هناك تابوه وبكلّ حب وبساطة». الدعوى إلى إطلاق الألبوم في الربيع الماضي ترافقت مع الوصف الآتي: «يمثّل مقاربة شخصية ومعاصرة للبيانو، تكمن غايته القصوى في تحويل هذه الآلة القديمة إلى آلة من المستقبل، من خلال مزج آلاف المقاطع الصوتية، تقليديّة كانت أو اصطناعية. يدمج هذا العمل عالمين في واحد: الشرق والغرب، موسيقى الباروك من القرنين السابع عشر والثامن عشر مع الموسيقى الإلكترونية، والموسيقى السايكاديليك مع الموسيقى الكلاسيكية». ففي معظم المقطوعات، نسمع صوت خليفة يرافق موسيقى البيانو غناءً ببضع جمل وكلمات بسيطة، تأتي لتقول ما لم تقدر الموسيقى الآلية على البوح به». إلا أن خليفة يؤكّد: «لا أعتبر نفسي مغنياً ولكن في هذا الألبوم أحببت أن أمرّر بعض الأمور بالصوت. المرء بحاجة أحياناً للتعبير بطريقة بسيطة، مع أن الموسيقى لا تستدعي أيّ كلام. أمّا في هذا الألبوم، فكان شعوراً خاصّاً وشخصياً. وأحسست أن هناك أشياء أحببت أن أغنّيها. ولذلك علاقة باللغة وبالحنين إلى الوطن، واللغة هي شيء نتمسّك به. لذا كان هناك استخدام للصوت في أماكن معيّنة لكي أوصل رسالة الانتماء والحنين».
مقاربة شخصية ومعاصرة للبيانو تحوّل هذه الآلة القديمة إلى آلة من المستقبل

بالنسبة إلى عناوين المقطوعات التي أتت باللغة بالإنكليزية، وأبرزها Lost ،Beautiful Soul ،To An Angel ،Red Abyss وغيرها، يعلّق بالقول: «اعتبرت أنها لغة كونية. وبرغم تطرّق الألبوم إلى موضوع خاص وشخصي، أردت أيضاً أن أوصل موسيقاي إلى ناس خارج الإطار الذي أعيش فيه، وهذا أشبه بامتداد أو جسر لكي تصلهم هذه الرسالة». موسيقياً، يخرج البيانو عن كلاسيكيته في هذا الألبوم، كما يستكشف خليفه نواحي مخفية وغير اعتيادية فيه: «القواعد الكلاسيكية موجودة في عملي. التقنية والفكر الكلاسيكي حاضران بكثرة، وكذلك تركيب الجملة والأفكار متأثرة بالكلاسيك. في المقابل، أبحث عن أمور أخرى. حكاياتي متعدّدة وأتقن لغات عدة على آلتي. إنّها امتداد لجسدي وجسدي هو تعبير. لست محصوراً بشيء معين ولا أرتاح بالضرورة لأكون في مكان معين. أبحث دوماً عن مجالات أخرى، كما أحبّ المغامرة وابتكار أمور جديدة والذهاب بالآلة إلى أكثر ما يمكنها أن تعطيه. اكتشفت أن البيانو آلة عظيمة من هذه الناحية. عندما يفهم المرء تركيبة هذه الآلة وقدراتها وما يمكنها أن تفتحه من مجالات تصويرية وفنية، يستخدمها كأوركسترا. وهذا ما لجأت إليه في ألبومي».

نلاحظ أيضاً استخدامه للبيانو تارة كآلة وتريّة تؤدّي الألحان وطوراً آلة قرع تصبح عدائية أحياناً: «استخدمت بالفعل البيانو كآلة قرع أيضاً أعزف عليها إيقاعياً. فالألبوم يمرّ بجميع الحالات والمشاعر. هي الحالات التي يمر فيها الإنسان في مراحل عدة من حياته، وهي ما اختبرته. فالأحاسيس هنا حقيقية جداً ولم أضطر لاختلاقها».