ترجمة محمد ناصر الدينحول تعريف الشعر (مقتطَف)

الشعر يجب أن يُكتَب نثراً. لغته يجب أن تكون أنيقة، وألا تفرّقه عمّا نحفظه من الكلام كثافة عالية. يجب ألا تكون فيه كلمات متحذلقة، ولا إطناب، ولا قلب للغة. يجب أن يكون في غاية السهولة مثل أفضل نثر لِدُو مُوپَاسَّانْ، وبغاية الصعوبة كنثر سْتَنْدَالْ.
يجب ألا يتضمن ملاحظات اعتراضية، لا كلمات تحوم من أجل لا شيء. إنه لمن الأكيد أن من يكتب الشعر لا يمكنه أن يحصل على الكمال في كل محاولة، لكن هذا ما يجب أن يكون مبتغاه.
الإيقاع يجب أن يكون ذا معنى. لا يمكنه أن يكون مجرد وثبة، من دون تماسك أو سند حقيقي للكلمات والمعنى، من قبيل: Tumty Tum Tumty Tum Ta.
يجب أن لا يتضمن الشعرُ الكليشيهات، والتعابير المضبوطة، والنمطيات والكتابة الصحافية. الخلاص الوحيد مِمَّا سبق هو بالدقّة، التي هي نتيجة الانتباه المكثّف للمرء عما يكتبه. الاختبار بالنسبة إلى الكاتب هو قابليته لهذا التركيز وقدرته على البقاء على تركيزه حتى يصل إلى نهاية قصيدته، سواء أكانت من سطرين أم من مئتي سطر.
الموضوعية وأيضاً الموضوعية والتعبير: لا إدراك مسبق أو متأخر، لا نعوت مزدوجة (مثل الطحالب الغبية شديدة الرطوبة)، لا أسلوب خطاب تينيسونi، لا شيء — لا شيء مما لا يمكنك قوله في ظروف معينة، وتحت ضغط انفعال ما. أي تنميق، أي كلمات متحذلقة ستبدد قسماً من صبر القارئ، قسماً من إحساسه بجديتك. حين يحسّ الشاعر بحق ويفكر، فإنه عادة ما يتلعثم بخطاب بسيط؛ فقط في الفورة الضحلة والحماسة السطحية للكتابة أو في الإدمان على الوزن يسقط الشاعر في الخطاب السهل، سهل، — آه كم هو سهل — للكتب والقصائد التي كان قد قرأها.
اللغة مكوّنة من أشياء محسوسة. العبارات العامة المنسكبة في مفردات غير حسية هي نوع من الكسل. إنها ثرثرة، وليست بالفن، إنها ليست بالخلق. إنها نوع من مقاومة الأشياء للكاتب، وليس فعل خلق من قبل الكاتب.
«الصفات» هي نوع من التجريد — أعني ما يسمونه بـ «الصفات» في كتب الشعر. إن النعت الوحيد المناسب للاستعمال هو النعت الأساسي لمعنى المقطع الشعري، لا النعت المزخرف المرصّع.
كنت آمل أن أرى مقداراً أكبر من القساوة السوفوكليسيةii في ما تطمح إليه قطعة (أصدقائي وزملائيMes amis et confreres). إن الضعف العام في المدرسة الجديدة ينبثق من الضياع، وغياب البناء الإيقاعي والكثافة.

(الرسالة مؤرّخة بشهر مارس 1916، ومقتطعة من أعمال عزرا باوند الشعرية والنثرية، منشورات غارلاند، نيويورك 1991.)

نصيحة إلى شاعر شاب

الرسالة التالية يمكنها أن تهم العديد من الشعراء الطامحين: الجملة الافتتاحية في كرّاستك تظهر نوعاً من الجهالة المُزرية بأعمال هوميروس، فيلون وكاتولوس... إن لم نذكر من هم أقل بريقاً مثل دانتي، غوتييه، كاڤاكانتي، لي بو، عمر الخيّام، كوربيير، أو حتى شكسبير (كي نضرب مثالاً مألوفاً). أنت بداهةً جاهل مثل حامiii بالنثر والشعر معاً. توحي بأنك لم تقرأ قَط. ستندال، فيلدينغ، فلوبير، برانتوم — ما الذي قرأتَه أو درسته على أية حال؟
كيف تتوقع أن تجعل نفسك مثار اهتمام أناس ممن طرقوا أدمغتهم بشدة بهذا النوع من الأشياء؟ وكذلك بالنسبة إلى ما يسمى «معرفة القلب الإنسان»؟ إن الأمر يتطلب الذكاء وكذلك الحدس.
إن كانت معرفتك ازدادت بما قد تم إنجازه قبلاً، فلا تتوقع أن يقع الناس قَبلك في عبادة ما تعتبِرُه أنت «توليفاتٍ جديدة وزاهية»، بل ممن يعتبره البشر الأكثر تمرّساً بالقراءة مبتذلاً وتافهاً.
أنت تبدأ النص بأُعطيَة معينة، نوع من الزخرفة المنفَعلة، بوَلَد في جدار من الطوب، أو انطباعات تبثّها الروائح، وهلمّ جرّاً. كل هذا جيد جداً، كل هذا جميل جداً، لكن بالله عليك ما هو الشيء الذي تعي أو تشعر أننا لم نعه أو نعرفه نحن من قبل؟ على أية قاعدة تستند لتثير اهتمامنا؟
هناك الكثير من هذه الزخرفة عند سپنسر وتاسو، إلى آخره، إلى آخره. في فرنسا في النصف الثاني من القرن الماضي، 1850-1900، وعلى نحو ذلك. ولقد تشبّعنا بذلك.
لو كان بمقدورك أن تقنع نفسك بأن تقرأ شيئاً ما، لو كان بمقدورك أن تقنع نفسك بأن تعثر على القليل من الفن الذي تقاربه... يحتمل أن تُرسل لي بعد سنوات خمس شيئاً مثيراً للاهتمام.
أن تكون معجباً بالكثير من الأشياء الجيدة لا يميزك عن 500000 من الناس، من الرسامين الانطباعيين الشبان من مقلّدي مونيه الرديئين، إلى آخره، إلى آخره.
لويس، جويس، إليوت، كلهم أعطوني شيئاً ما لم أكن لأجده في نفسي.
لن تطوّر فَنك برفضك الاعتراف أنك في الرابعة والعشرين لم تدهش العالم إعجاباً بمواهبك. أنت ببساطة لم تبدأ بالعملية التي يصقل بها ذوو الأمزجة الخاصة أنفسهم إلى فنانين (أو إلى لا شيء، تبعاً للقابلية الداخلية للصقل في المادة الشخصية).
يمكنك البدء بـ «الفن الشعري» لأرسطو، أو بـ «حول الجليل» للونجينوس، أو «البلاغة العامية» لدانتي، الملاحظات المتفرقة لكولريدج ودي كوينسي، والكتابات النقدية في الحقبة الإليزابيثية لن تضرك في شيء. يجب عليك أن تعلّم نفسك، كما تم ذكره سابقاً، في النثر والشعر. لأن المولودين في أميركا كانوا دوماً كسالى بحيث لم يأخذوا بالخطوات السابقة، فإننا بالكاد نعثر في كتاباتهم على شيء ذي قيمة.
أن نجيد فناً ما لا يعني أن نغشّ الناس. العمل يثبت جودة الفن ولا بديل عنه. أن نحمل هذه النظرية أو تلك لا يساعد البتة أحدنا في تخطي عثرة ما، إلى آخره، إلى آخره. لقد ذهب الشعر إلى الأسلوبية، واللمعات الذهنية، في فترات عدة، وإلى المفردات الغريبة، والاستعارات المتوترة والتشبيهات. نعي بغاية الكمال كل ذلك. في عمر العشرين، اقترفتُ نفس التعميمات الحمقاء في حق المسيحية وجمالياتها، وهو ما تقترفه أنت الآن في حق الشعر.

عزرا باوند، ديسمبر 1917
(من رسالة إلي ماكسويل بودنهايم: أعمال عزرا باوند الكاملة، منشورات غارلاند، نيويورك، 1991).