اختارت مجلة «التايم» الإنكليزية منذ أيام يوم المرأة العالمي لتكرّم سيدات مشهورات تختلف كل منهنّ عن الأخرى بكثير من المزايا إلى حدّ أن وضعهنّ إلى جانب بعضهنّ ينطوي على كثير من الخبث والتجنّي! فالسيدة نوال السعداوي (1931) لم تدخل السياسة من باب الترف أو الانتخابات أو البرلمانات أو الحكومات أو كزوجة لرئيس لتمثّل فئة حاكمة ولا هيئة سياسية استعمارية الميول والهوى ولا باب الفن الذي يشيح بوجهه عن معاناة الناس العاديين والفقراء كما دخلته النساء الأخريات. بل دخلته كما يعرف الجميع من باب النضال المستميت لأجل قضايا حقوق أساسية وحيوية تعانيها المرأة في بلادها وخارج حدود بلادها لتتصل بكلّ البلدان النامية في أفريقيا وآسيا وربما غيرها من القارات. قضايا مثل الختان وتعميم الجهل بسيطرة رجال الأديان المستشرية على شعوبهم كالقطعان عبر التاريخ من خلال كل المجتمعات القبلية والبطريركية والمتخلّفة.تلك الدول التي لم يتردّد زعماؤها أبداً من محاربتها وسجنها وقمعها بكلّ الوسائل من دون أدنى انتصار عليها وعلى روحها وفكرها حتى وهي تقاوم وحيدة مُحاصرة في السجون والمعتقلات حيث بقيت دائماً امرأة صلبة تتحدى بقوة قناعاتها وفكرها ونضالها وإرادتها... بالمنطق والعلم بقيت تتحدّى الظلم والقهر والغدر والجهل والتنكيل بها وبغيرها بلا توقف! لقد عاشت هذه السيدة حياة كاملة لم تساوم فيها يوماً على حرية ودور المرأة ولو للحظة! أترك لغيري أن ينبش في إنتاجاتها الفكرية وكتبها ومراحل نضالاتها المشرّفة لا قول فقط إنّ تكريمها واجب إنساني عربي وعالمي ولكن وضعها مع سيدات انتهازيات مثل تاتشر وهيلاري كلينتون وميشال أوباما ومادونا فيه كثير من التجنّي والتصغير لها وتحجيمها... تحجيم قدْرها ونضالاتها وتأثيرها على المجتمعات التي تعاطت معها. أريد فقط أن أروي ما يعنيني أنا كرجل وصاحب ذاكرة أختار عبرها ومن خلالها شرف العمل والنضال مع أهل اليسار والاشتراكية ضدّ كل أنواع الظلم والاستغلال. أذكر عند بداية مراهقتي في المدرسة الابتدائية، كنت مع غيري نتعلّم في بيئة متخلّفة محافظة لا تسمح بكثير من الأسئلة، فكيف بأكثرها طموحاً وتوقاً للمعرفة. المهم كان رأسي يعصف بأسئلة كثيرة تحديداً عن المرأة! من هو هذا الكائن الخرافي الممتلئ بالأنوثة والسحر والتوق والرغبة والتأثير وكيف نبدأ بفهمها والتعامل معها ومن أين؟ لم يعطني أحد حولي أيّ جواب، بل كانت الإجابات التي أحصل عليها كلها هراء بهراء بل كاذبة، وفيها من الجهل والتجني الفاضح ما ينضح بالكذب والافتراء. ولا أخفي أنّ بعض الإجابات كانت من أساتذة المدارس اليساريين ذكوراً وإناثاً والتي كنت ارتادها في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية... إلى أن وقع بين يدي وبالصدفة كتاب د. نوال السعداوي «الأنثى هي الأصل». وكان وقعه عليَّ بعد قراءته بنهم مثل وقع السحر. يومها فهمت أنّ المرأة هي الأصل وأشياء كثيرة أخرى ووقعت في غرام هذا الكتاب وتلك السيدة، وذهبت من كتابها هذا في رحلة إلى عوالم كل كتبها الأخرى التي تعمدت الحصول عليها بكل ما ما كنت أدّخره من مال قليل استطعت أن أحصل عليه. أعطتني كتبها كل ما أريد لأكون أنا. كأنها أرادت أن تقول إنّ من أحبّ أمّه أو أخته أو أيّ امرأة ولو واحدة بحق، فعليه أن يحبّ كل نساء الأرض. ومن ظلم امرأة واحدة فقط كأنه ظلم كل نساء الأرض! كما أنه ليست هناك امرأة تموت لأنّ المرأة كالأرض، فكيف إذا كانت استثنائية مثل نوال السعداوي. سماء حبلى بالغيم والمطر والشمس والرؤى؟! لعلها حتماً استطاعت وسط الجهل والإهمال والسجن أن تتجاوز كونها كانت شمس مصر فقط أو أحد رموز تحرّرها الحقيقي التي ستبقى تشعّ بأنوار الكِبَرْ والشموخ شاء من شاء وأبى من أبى لتصبح أماً كونية تحلم بمكان عالمي وواقع نظيف مشرق تستطيع فيه المرأة في كلّ مكان أن تعود لتأخذ دورها ومهماتها كأمّ وأخت وزوجة ومثقفة وحكيمة ورائدة. نوال سعداوي لا يمكن أن تتساوى بمن وضعتهم معها وإلى جنبها «التايم» عن جهل أو عن خبث وعن سابق تصور وتصميم فاقتضى التنويه!