في إطار مبادرة المؤسسة العامة للسينما السورية «السينما في بيتك» التي أتاحت للجمهور العربي مشاهدة أفلام سورية كانت في المعتاد حبيسة الأدراج ولا يعرف بوجودها (أو يشاهدها) أحد إلا بعد سنواتٍ طوال من عرضها، هنا إطلالة على بعض هذه الأفلام التي تظهر لمشاهد لا يعرف من الدراما السورية إلا المسلسلات والمشاركات التلفزيونية.
* الإعتراف
فيلم مميز لأحد أهم المخرجين الفلسطينيين/ السوريين خلال العقود الأخيرة باسل الخطيب. الخطيب نجل الشاعر الفلسطيني المعروف يوسف الخطيب الذي تميّز منذ أن قدّم مسلسل «الطويبي» (1998، بطولة أيمن زيدان ونورمان أسعد) يعود لتقديم رؤية درامية تشبهه لناحية التركيز على الرمز والصورة الحكائية. الفيلم من بطولة كوكبة جميلة من النجوم السوريين كالقدير غسان مسعود، ديما قندلفت، محمود نصر، وروبين عيسى. وجود مسعود بحد ذاته إضافة كبيرة للفيلم. فهو الذي اشتهر بشخصية صلاح الدين الأيوبي في فيلم «مملكة السماء» للمخرج ريدلي سكوت (2005) وأحد أهم أساتذة الدراما في سوريا والعالم العربي. مسعود الذي يقدّم خلال رمضان القادم مسلسل «رسائل السيد آدم» ينجح في إعادة تخليق نفسه درامياً من خلال شخصية نراها في مختلف مراحل حياتها: شابة وكبيرة في السن، عاشقة وأبوية. يضاف إلى هذا قدرته على تسخير ملامح وجهه العميقة ليقول الكثير في مشاهده. ديما قندلفت بدورها تعد من نجمات جيلها، وأكثرهن قدرة على تغيير جلدها. خريجة الاقتصاد التي تغنّي وترقص بحرفة تذكّر بالراحلة الجميلة سعاد حسني، تقدّم شخصيتين في الفيلم الذي يدور حول فتاة تبحث عن ماضيها، وتتعقّد الأمور خصوصاً مع ترابط الأحداث مع ظروف الحرب في سوريا، فتتخالط الشخصيات وتواريخها. محمود نصر بدوره، يمكن المراهنة عليه بأنه «حامل الراية» الجديد بين شباب/ رجال الدراما السورية؛ إذ يظهر الممثل الماهر الذي عشقه الجمهور في شخصية «عروة» في مسلسل «الندم» للمخرج الليث حجّو (2016) كيف أنه يقدر على تقديم شخصيته «دون رتوش» هكذا كما هي ودون أي تجميل: شخصية قاسية، فظة، لكنها بشرية إلى أقصى حد. وهو بذلك يشابه ممثلي الدراما الأوروبية المعروفين كجيرار دو بارديو في فيلم «سيرانو دو بيرجوراك» (1990)؛ وفي هذا يمكن الإشارة إلى أنَّ نصر يصر على أن يكون method actor (ممثل منهجي) غارقاً في دوره حتى النهاية. أخيراً لا يمكن نسيانأداء روبين عيسى، القادمة بقوة إلى واجهة الدراما السورية بعدما أدت كثيراً في شخصيات بأدوار ثانية؛ وهي وإن كانت كذلك، فهي تبدع في كل ثانية تأخذها على الشاشة لناحية إصرارها على شد المشاهد صوب شخصيتها أياً كان شريكها في تلك المشاهد.

سولو (عزف منفرد)
يأتي «سولو» بمثابة كوميديا سوداء. إنها حكاية لقاء بين رجلين يمران بمغامراتٍ كثيرة تنتهي بنهاية يمكن اعتبارها مريحة، لكنها صادمة في آنٍ معاً. الفيلم أخرجه وكتبه المخرج السوري المعروف عبداللطيف عبدالحميد الذي عرفه الجمهور مع أفلام مثل «صعود المطر» (1994)، «نسيم الروح» (1998) ومؤخراً «خارج التغطية» و«رسائل شفهية». العمل يؤدي بطولته فادي صبيح، الذي يمكن اعتباره نوعاً من التقدير لهذا الممثل القادر على ارتداء أي شخصية يقابلها، لكن لم تتح له تأدية أدوار البطولة في كثيرٍ من أعمال كان يستحقها. صبيح يؤدي دور عازف الكونترباص الذي يبحث عن عمل خلال أيام الحرب في سوريا. يضاف في البطولة إلى صبيح القدير للغاية جرجس جبارة، الذي يمكن القول بأنه أعاد الإعتبار إلى ممثلي الصف الثاني والثالث. يمكن اعتبار جبارة واحداً من الممثلين الذي يشدك لأي شخصيةٍ يؤديها، فهو قادر على تأدية الكوميديا كما التراجيديا بذات المهارة. جبارة يؤدي شخصية رجلٍ يدّعي أنه غني لكن ظروف حياته اليومية تدل على أنّه فقيرٌ معدم. نسائياً تبرز رنا شميس وأمل عرفة معاً في أداءٍ تتنافسان على وقتهما على الشاشة. عرفة تؤدي دور سائقة التاكسي وعازفة الكمان خريجة المعهد العالي للموسيقى. عرفة التي تجيد الغناء، كما الأداء التمثيلي هي واحدة من الممثلات القادرات للغاية في الدراما السورية: كوميدياً وتراجيدياً. بدورها، تدفع رنا شميّس بأدائها إلى الأمام، إذ يبدو أنها «تجوهر» كلما كانت المنافسة أكبر أمامها. هي تؤدي دور زوجة الشخصية الرئيسية طلال (فادي صبيح) التي تجد أنها في منافسة قاسية مع حبيبة زوجها السابقة أمل عرفة، فتدخل معها في منافسة، تنتهي بأنها «تغنّي» في ذات المكان حيث يعزف زوجها وعرفة في آنٍ معاً.

رد القضاء
هذا الفيلم كان قد عرض في السابق في صالات السينما السورية، وكان قد حقق ضجةً كبيرة، ذلك أنه يتناول قصة الصمود الأسطوري طيلة إثني عشر شهراً لأبطال سجن حلب المركزي في مواجهة أرتال داعش» التي قررت اقتحام السجن. الفيلم الذي أخرجه نجدة إسماعيل أنزور، وكتبت السيناريو ديانا كمال الدين، يمكن اعتباره فيلم الولادة لنجم هو لجين إسماعيل. إسماعيل الذي يؤدي دور أحد المجنّدين الموكلين حراسة هذا السجن، الذي يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى بطلٍ من أبطاله، يقدّم أداء العمر. هو هنا يقارب الأبطال التراجيديين في الدراما الإغريقية أو حتى الدراما الحديثة كزوربا اليوناني حينما يرقص من الألم، وتحت المطر. هو حتى يقارب آندي دوفرين في فيلم «خلاص شوشانك» للمخرج فرانك درابونت من العام 1994. نحنُ هنا لسنا أمام عملٍ ترويجي أو استعراضي لبطولات ثلة من الأبطال بمجابهة عدوٍ قهري متوحش، بل أمام عمل فني بكل ما للكلمة من معنى. عمل فيه حرفة تصوير وإضاءة وأداء تمثيلي جميل. من جهتها، تعطي جولييت عوّاد أداء يليق بسمعتها كواحدة من أهم ممثلات جيلها. أداء هادئ عميق، وفوق كل هذا رصانة كبيرة. نهاية الفيلم، بما أن قصته حقيقية، معروفة، إذ يفشل التنظيم الإرهابي في اقتحام السجن الذي تحوّل إلى رمز أسطوري للصمود، لكن الخسائر كانت كبيرة وجسيمة للغاية.

العاشق:
هو الفيلم الثاني للمخرج عبداللطيف عبدالحميد في هذه القائمة؛ وهو يستحق المشاهدة بالتأكيد لسببين: الأوّل الكوكبة الجميلة من النجوم بداخله، والثاني قصّته التي تلامس شيئاً بداخل كل من يشاهدها. يتألق في هذا الفيلم: عبدالمنعم عمايري، ديما قندلفت، فادي صبيح، قيس الشيخ نجيب وأيمن عبدالسلام لتقديم قصّة مراد، المخرج الذي يصّور فيلمه الأوّل الذي يشابه حكاية «ولادة» كل الأفلام الأولى لمبدعي بلادنا: القدوم من قرية بعيدة، العذابات التي كابدها خلال تلك الرحلة، فضلاً عن العلاقات الإنسانية والبشرية المتمثلة بالعائلة والحب الأوّل وسواها. عمايري التلميذ الأنجب والأكثر موهبةً بين تلامذة غسّان مسعود، يقدّم واحداً من أداءاته الأكثر واقعية ومباشرة، من دون مواربة. هو متصالح مع شخصيته كثيراً ويمكن اعتباره ستانسلافسكياً (نسبةً للروسي ستانسلافسكي) أصيلاً حيث يدرس شخصياته كما لو أنّهم «أحياء حقيقيون»، وبالتالي يلبسونهم. قندلفت بدورها «ريما» تعطي أداءً في الفيلم يعيد التذكير بمهاراتها خصوصاً في استعمال صوتها، الذي يتهدّج كلما احتاجت أن تعطي مشاعر، وهي من النجمات العربيات القليلات اللواتي يمكنهن القيام بهذا. يضاف إلى كل هذا، اللهجة الريفية في الفيلم التي تعرف عليها الجمهور العربي من خلال مسلسلات ممدوح حمادة المعروفة: «الخربة» و«ضيعة ضايعة». كذلك، لا يمكن نسيان فكرة «الصفعات» الكثيرة التي يتلقاها البطل من بداية حياته وعلاقته بمدير مدرسته الذي يؤدي دوره فادي صبيح في دورٍ متميز كعادته؛ وصولاً إلى أحد الجماهير الذي يصفعه كونه مخرجاً فاشلاً، وحبيبته التي تصفعه حينما يحاول تقبيلها. ويأتي تعليق مراد على هذه الصفعات: «يبدولي إنه هادا نوع من النقد السينمائي البلدي» وهذا يبرز نوعية هذا العمل.