باسل البابا
بعد بيتهوفن، يؤدي مَهْملات والبابا عملاً لمواطنه روبرت شومان، وهنا أصبحنا في قلب الحقبة الرومنطيقية، وتحديداً في المنطقة الشديدة الحنان والاضطراب النفسي. الخيارات عند هذا المؤلف في هذه الفئة محدودة، وقد اختار الثنائي القطعة المستقلة التي تحمل اسم تحوّلاتها لناحية سرعة الإيقاع (tempo) أي الـAdagio and Allegro (المصنّف 70)، وهو عمل شهير مكتوب للبيانو وآلة ثانية مفتوح الخيار فيها بين الهورن والكمان والتشيلّو، أي الخيار الأخير في هذه الحالة. تُقسَم هذه المقطوعة إلى شطرَين متساويين في الزمن تقريباً، الأول هادئ بعمق، متأمّل بأسى… إنه الرماد الذي يغطي نار الشطر الثاني، الذي يجمع بين اللعب الطفولي والهذيان. وكلاهما يحمل «صوت» شومان الخاص، الذي لا يشبه أحداً من زملاء الحقبة ذاتها.
العمل الثالث، الكئيب، اليائس، المُرهَق، قد يكون الأقدر على ترجمّة وضعنا الحالي. إنها مقطوعة بعنوان Insomnia (أرَق) للمؤلف الروسي الشهير/ المغمور نيقولاي مدتنر (1880 — 1951). إنها في الأساس «أغنية» (قصيدة للشاعر الروسي فيودور تيوتشيف) للسوبرانو والبيانو، وهي واحدة من حوالى مئة عمل لمدتنر في هذه الفئة. لكنها، كالعديد من الأعمال المشابهة في الريبرتوار الكلاسيكي، تؤدّى غالباً من ثنائي التشيلّو والبيانو، حيث «يغنّي» الأول سطر السوبرانو. القصيدة سوداوية، ولو قرأناها سنظن أنها مكتوبة اليوم، أي في زمن ما يحدث في العالم حالياً (تقول مثلاً: يبدو أن العالم المهجور قد غلبه القدر المحتوم، وها قد تُرِكنا لأنفسنا في محاربة الطبيعة!) علماً أنها تعود إلى أكثر من قرن ونصف القرن. في النسخة التي نسمعها الليلة، ستصلنا معاني القصيدة من دون كلمات، فالموسيقى شديدة التصوير، تبدأ بدقات الساعة التي نسمعها على البيانو في حين يؤدي التشيلّو اللحن الذي يوازي الكلمات التالية: الساعة تدقّ برتابة/ إنها قصة الليلة المرهِقَة.
* أمسية «حكايات التشيلّو والبيانو» لمنير مَهْملات وباسل البابا: 21:00 مساء غد بعد غدٍ الجمعة، عبر قناة «الجامعة الأميركية» على يوتيوب