تحت عنوان «حكايات التشيلّو والبيانو» (Stories of Cello and Piano)، تستضيف قاعة «أسمبلي» في «الجامعة الأميركية في بيروت» أمسية موسيقية كلاسيكية غربية للثنائي منير مَهْملات (تشيلّو) المولود عام 1988 والذي درس بين ألمانيا وأميركا وباسل البابا (بيانو) المولود عام 1982 وهو من الذين تتلمذوا على يد نوال شاغوري والراحلة زفارت سركيسيان. بـ«أمسية» نقصد الشكل الجديد الذي فرضه فيروس كورونا على هذا النوع من النشاطات، أي العرض على قنوات البث الحديث عبر الإنترنت، وفي هذه الحال قناة «الأميركية» على موقع يوتيوب (الرابط مرفق في الأسفل). قبل دخولنا عصر كورونا، كان الموسيقيان اللبنانيان يحضّران برنامجاً لتقديمه في أمسية حية. ومع بداية الحجر المنزلي، تابعا التمارين في انتظار النهاية السعيدة. ولمّا بدا أن تلك النهاية بعيدة، ولو كانت أكيدة، قرّرا الركون إلى الحل الذي لجأ إليه ملايين الموسيقيين حول العالم لمزاولة الحدّ الأدنى من النشاط الفنّي وإبقاء التواصل مفتوحاً مع الناس: بثّ الأمسية عبر الإنترنت، أمام الجمهور الافتراضي الكبير. عند التاسعة من مساء الجمعة، يمكنكم «الانتقال» افتراضياً إلى مقاعد الـ«أسمبلي هول» والاستماع إلى برنامجٍ يطال الفترة الممتدة من مطلع القرن التاسع عشر حتى مطلع القرن العشرين، وفيه ثلاثة أعمال لثلاثة مؤلفين: بيتهوفن، شومان ومدتنر. الاسم الأول أدرِج من باب التكريم، إذ يكاد لا يغيب اسم المؤلف الألماني عن أي أمسية في السنة التي تحمل اسمه عالمياً بالذكرى الـ250 لولادته. اختار الثنائي من سوناتات التشيلّو الخمس التي تركها بيتهوفن، الثالثة (المصنّف 69) التي تتألف من ثلاث حركات. تماماً كالكونشرتو الثالث للبيانو، تشكّل هذه السوناتة (1808) جسر العبور بين بيتهوفن الكلاسيكي وبيتهوفن الرومنطيقي، إذ تنتمي إلى المرحلة الثانية من مسيرته، تلك التي تحوي أشهر أعماله بالمناسبة.
باسل البابا

بعد بيتهوفن، يؤدي مَهْملات والبابا عملاً لمواطنه روبرت شومان، وهنا أصبحنا في قلب الحقبة الرومنطيقية، وتحديداً في المنطقة الشديدة الحنان والاضطراب النفسي. الخيارات عند هذا المؤلف في هذه الفئة محدودة، وقد اختار الثنائي القطعة المستقلة التي تحمل اسم تحوّلاتها لناحية سرعة الإيقاع (tempo) أي الـAdagio and Allegro (المصنّف 70)، وهو عمل شهير مكتوب للبيانو وآلة ثانية مفتوح الخيار فيها بين الهورن والكمان والتشيلّو، أي الخيار الأخير في هذه الحالة. تُقسَم هذه المقطوعة إلى شطرَين متساويين في الزمن تقريباً، الأول هادئ بعمق، متأمّل بأسى… إنه الرماد الذي يغطي نار الشطر الثاني، الذي يجمع بين اللعب الطفولي والهذيان. وكلاهما يحمل «صوت» شومان الخاص، الذي لا يشبه أحداً من زملاء الحقبة ذاتها.
العمل الثالث، الكئيب، اليائس، المُرهَق، قد يكون الأقدر على ترجمّة وضعنا الحالي. إنها مقطوعة بعنوان Insomnia (أرَق) للمؤلف الروسي الشهير/ المغمور نيقولاي مدتنر (1880 — 1951). إنها في الأساس «أغنية» (قصيدة للشاعر الروسي فيودور تيوتشيف) للسوبرانو والبيانو، وهي واحدة من حوالى مئة عمل لمدتنر في هذه الفئة. لكنها، كالعديد من الأعمال المشابهة في الريبرتوار الكلاسيكي، تؤدّى غالباً من ثنائي التشيلّو والبيانو، حيث «يغنّي» الأول سطر السوبرانو. القصيدة سوداوية، ولو قرأناها سنظن أنها مكتوبة اليوم، أي في زمن ما يحدث في العالم حالياً (تقول مثلاً: يبدو أن العالم المهجور قد غلبه القدر المحتوم، وها قد تُرِكنا لأنفسنا في محاربة الطبيعة!) علماً أنها تعود إلى أكثر من قرن ونصف القرن. في النسخة التي نسمعها الليلة، ستصلنا معاني القصيدة من دون كلمات، فالموسيقى شديدة التصوير، تبدأ بدقات الساعة التي نسمعها على البيانو في حين يؤدي التشيلّو اللحن الذي يوازي الكلمات التالية: الساعة تدقّ برتابة/ إنها قصة الليلة المرهِقَة.

* أمسية «حكايات التشيلّو والبيانو» لمنير مَهْملات وباسل البابا: 21:00 مساء غد بعد غدٍ الجمعة، عبر قناة «الجامعة الأميركية» على يوتيوب