ربّما أفضل ما في كلّ هذا، أنه بات يتسنّى الآن فقط مشاهدة ما لم نستطع مشاهدته من كنوز السينما اللبنانية التي لا تتسع لها صالات السينما. أفلام قديمة وحديثة، شرائط محمّد سويد التي تختصر جيلاً كاملاً جاء بعد الحرب، وأخرى لجيل أحدث مثل رائعة «طرس» لغسان حلواني، نقلتها إلينا منصّات السينما، أبرزها «أفلامنا»، خلال فترة الحجر المنزلي. اليوم حمّل الموقع الإلكتروني للمخرجة اللبنانية الراحلة رندا الشهّال (1953 ــ 2008) فيلمها «متحضّرات» (94 د ــ 1999) الذي بات متاحاً بشكل مجّاني أمام المتفرّجين. في شريطها الروائي، تصنع الشهّال صورة عن بيروت، لكن من خلال وجوه العمّال الأجانب (من مصر وسريلانكا والفلبين...) ممن بقوا فيها بعدما غادر أرباب عملهم خلال الحرب. نال الشريط جائزة «نيستور ألمندروس» في نيويورك، لكنه قوبل بشكل مختلف في لبنان. إذ طاله مقصّ الرقابة بسبب الشتائم وفظاظة اللغة في حوارات الشخصيّات. تتشابك القصص في «متحضّرات»، حيث العمال والخدم يلتقون بغيرهم من أبناء الطبقة المهمّشة. انه بورتريه عن حضيض بيروت خلال الحرب. رجال الميليشيا، وفقراء وعمال وقبضايات المدينة يجتمعون في علاقات مثليّة وأخرى تقوم على عنف يبدو استكمالاً لدموية الشوارع في الخارج. شارك في الشريط نخبة من الممثلين اللبنانيين والعرب مثل جليلة بكّار، تميم شهّال، كارمن لبّس، رينيه ديك، حسان مراد، وبرونو دويسكيني وآخرين. علماً أن العمل هو الفيلم الروائي الثاني للشهّال، بعد فيلمها «حروبنا الطائشة» (1995) وفيما تبعه «طيّارة من ورق» (2003) الذي يعدّ أحد أشهر أعمالها.