في الأوّل من أيلول الماضي، كان «مركز التراث اللبناني» في الجامعة اللبنانية الأَميركية أوّل من افتتح أنشطة المئوية الأولى لـ «إِعلان دولة لبنان الكبير» (الأوّل من أيلول 1920)، عبر إِطلاق عدد خاص من مجلة «مرايا التراث» نصف السنوية الـمُـحَكَّمة. مع اقتراب المئوية من خاتمتها، خصّص لها المركز ندوته التواصلية الخامسة عن بُعد، أعدّها وأَدارها مديره الشاعر هنري زغيب واستضاف إِليها المؤرّخَيْن مسعود ضاهر وعبدالرؤوف سنّو.قدّم زغيب للندوة بالإشكالية التي سبّبها، ولا يزال يسببها حتى اليوم، إِعلانُ 1 أيلول 1920 بين مرحّب بها لإِنقاذ لبنان من عصور الظلم العثماني، ومناهضٍ إِيّاها لأنه يعتبر فرنسا دولة مستعمرة تهيمن على لبنان وتخرجه من محيطه العربي والإِسلامي.
أوجز مسعود ضاهر «الظروف التاريخية للإِعلان»، وكيف «قبل سنوات من الحرب العالمية الأُولى كانت نخب سياسية وثقافية لبنانية، من جبل لبنان وبيروت والاغتراب، تطالب بتوسيع حدود المتصرفية إِلى حدود لبنان الكبير الطبيعية أو التاريخية، لكون معظم أَراضي المتصرفية جبليَّةً تفتقر إِلى موارد زراعية تنقذ سكانها من المجاعة في الحروب أو الأزمات البيئية، حتى جاءت المجاعة في الحرب (1915ــ 1918) وأودت بحياة آلاف اللبنانيين، فاشتدت مطالب اللبنانيين بتوسيع الحدود الجغرافية وقيام دولة لبنانية حديثة تضُم أكبر نسبة من مناطق كان سيطر عليها الأمير فخر الدين المعني الكبير». وأَشار إِلى «انزعاج الحركة الصهيونية من اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 وتقسيمها مناطق النفوذ فرنسياً وبريطانياً ووقْف الحدود دون مياه الليطاني».
وبرّر ضاهر الترحيب بالخطوة بقضيتين مركزيتين، هما: توسيع حدود متصرفية جبل لبنان، والضغط على الإِدارة الفرنسية لإِبراز خصوصية لبنان الكبير عن باقي الدويلات السوريةمن دون الإِصرار على ترسيم الحدود لعدم اعتراف الشعب السوري بها. هنا، أوضَح أنّ «الموقف الفرنسي أصرّ على ترسيم حدود لبنان الكبير مثلما تـم الاتفاق عليها في اللجنة الرسمية لترسيم الحدود بين الانتدابين البريطاني والفرنسي، فكانت النتيجة أنّها بقيت بدون ترسيم لأَنها في نَظَر الفرنسيين موحدة وتخضع لإِدارة فرنسية سياسية وعسكرية واحدة».
في المقابل، تساءل عبد الرؤوف سنّو إِن لم يكن من الأفضل «لو تمّ الإِبقاء على متصرّفية جبل لبنان منفصلة عن محيطها العربي الإِسلامي، وترْك المسلمين حيث كانوا في محيطهم المذكور». وأشار إلى أنّ النظام الطائفي السياسي السائد يتغذّى من الطائفية أَو يغذّيها، ويتحمّل مسؤولية الاختلاف والاحتراب. لذا «لم يتماسك لبنان الكبير ليكون وطناً لجميع أبنائه وفق نظام جديد غير طائفي، فيرتفع مؤشر الاستقرار والسلم الأهلي».
أما حول ما يبقى من هذا اللبنان بعد 100 عام، وجد ضاهر أنه «يبقى كلّه كما نشأ في الأوّل من أَيلول». ودافع عن رأيه بأن «قوَّة لبنان هي في شعبه الذي حافظ على أَراضيه فلم تَنقص شبراً واحداً بينما بعض دولٍ في المحيط العربي خسرت أَجزاء من أَراضيها. ولذا على المجتمع اللبناني المدني أَن يحافظ بصلابته على تماسُكه موحَّداً خارج كل اصطفاف فئوي وطائفي ومذهبي. والشعب الذي قاوم إِسرائيل وطردها عن ترابه فلم تستطع ترويضه، عليه أَن يرفض ترويض زعماء الطوائف لإِبقاء سيطرتها عليه في سياسات متعاقبة وعهود متوالية كرّست فيه الانقسامات ولم تقدّم له وطناً علمانياً خارج الطوائف والزبائنيات هو الذي يجب أَن نهيّئه للمئوية الثانية».
من جانبه، شدّد سنّو على أنّ «انخراط المسلمين في مؤسسات لبنان الكبير تأخّر حتى الثلاثينات، لكن الدعوات انطلقت منذ 1920 إِلى إِقامة فدراليتين: مسيحية في جبل لبنان، وإِسلامية في مناطق ضُمّت إِلى لبنان الكبير».