أيمكن أن يخرج منا الحزن... إبداعاً؟ تأتي الإجابة من رواية «باريس لا تعرف الحب»، لمحمد طارق، حين يقول: «من أرض الحزن القاسية، تنبت كلمات رطبة تهوّن مأساتنا، ومن رحم الوجع، يولد الإبداع». مأساة الرابع من آب، انفجار مرفأ بيروت، أعاد صياغتها فنانون وهواة شباب غزت أعمالهم مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تميزت بتنوّعها الذي عكسته التقنيات والمدارس الفنية المستخدمة، فلا يشبه أيّ منها الآخر. وبنظرة تقييمية، تصبّ الأعمال كلها في خانة واحدة: عظمة المعاناة. كثير من هؤلاء قالوا لنا إنهم لا يعلمون كيف أنتجوا لوحاتهم. كل ما يدركونه أن أيديهم باحت بما شعرت به قلوبهم، بخاصة أنها بيروت، المدينة التي أثبتت أنها تعيش في داخلنا لا نحن من نعيش فيها، كما أكدت أن حضورها عابر للعواصم والحدود
وجه بحّار قديم
عباس منصور


«الصخرة كأنها وجه بحار قديم»، جملة غنّتها فيروز وانطلق منها التشكيلي عباس منصور في بناء لوحته. فالوجه الذي يُحدِث تساؤلاً وتأويلات احتل مركزاً أساسيّاً في العمل. هذا الوجه، في رأيه، قد يرمز إلى البحّارين أو عمّال المرفأ القدامى و«شغّيلته» الكادحين، ومن ناحية أعمق، يرمز إلى لبنان، الذي صنعت منه الحروب شخصاً هرماً. يحني هذا الرجل رأسه ويرمقنا بنظرة ملؤها الأسى والصبر. أما النار، فهي الانفجار كما شاهده كلُّ العالم وكما طُبعت حمرته في الذاكرة، «وأنا أدخلت في نسيجه وجوهاً تصرخ ألماً هي وجوه الضحايا الذين خطفهم الموت بلمح البصر». علماً بأنّ منصور حائز شهادة الماستر في الفنون التشكيلية في الجامعة اللبنانية، ويركز كما يروي على «نقل هواجس المجتمع اللبناني والإنسان المعاصر»، ودائماً يميل إلى الأعمال التعبيرية والواقعية الرمزية.

البيت المهدّم
محمد الزين



بموهبته وخياله الخصب، عبّر محمد الزين عما تركه انفجار بيروت من أثر في قلبه وقلوب اللبنانيين في أربع لوحات صوّرت مشاهد ما بعد الانفجار من بينها واحدة بعنوان «البيت المهدّم». تظهر الأخيرة تصدّع البيت اللبناني المرتكز إلى أعمدة وقنطرة وقد «تلاشت أحجاره كما أولاده في مهب الريح»، على حد تعبيره. والزين مهندس داخلي عمل على مشاريع في لبنان والخارج، ويجمع بين حبه للتصوير الفوتوغرافي وتصميم الأزياء، وبين حرفيته في الفن التشكيلي.

الإنسانة/قمح الأمل
إيناس حليمة



الأمل هو ما يجعل إيناس حليمة تعود لتمارس هوايتها منذ ثلاث سنوات، وترسم بعد توقف دام 25 عاماً. تشكّل الممرضة باميلا، «الإنسانية» على حد تعبير حليمة، محور لوحة الأخيرة وهي الممرضة التي تعمل في «مستشفى الروم» التي تمكنت من إنقاذ ثلاثة رضّع، وتداول الناشطون صورتها وهي تحملهم. تقول حليمة: «لا نستطيع العيش لولا فسحة الأمل، ولذلك لا نكفّ عن البحث عنه حتى في أبسط الأمور».

الأرزة الحمراء
نبيل معلم



في رأي ابن بلدة عبا الجنوبية نبيل معلم، أن الفنان كما الشاعر «إنسان مرهف الإحساس، وُهب قدرة التعبير عبر الفن ليسكب مشاعره في لوحة». وهو بدوره يجسّد مشهد الانفجار لكن بطريقته الخاصة، فيرسمه على شكل أرزة مضرّجة بالدماء. لكن برغم اللون الأحمر المسيطر عليها، تبقى الأرزة شامخة في علوّها، وسط زرقة السماء وصفائها اللافت. ومعلم أستاذ في مادة المعلوماتية، يهوى الرسم منذ الصغر، وطوّر موهبته إلى أن أصبح قادراً على إنتاج الفن الذي يرضي طموحه في التعبير.

الملائكة الصاعدون
فاطمة ضيا



يعبّر الاسم بدقة عن مضمون لوحة فاطمة ضيا، فبين العاملين المتعبين، وعابري السبيل، وأبطال الدفاع المدني، وغيرهم من ضحايا الانفجار، تصوّرهم ضيا كملائكة تصعد أرواحهم إلى السماء جماعياً في لحظة الانفجار، وهو ما رآه فيهم الناس، ويفسر ذلك ما لاقته من رواج وإعجاب، فقرّرت فاطمة بيعها في مزاد والتبرع بنسبة 100% من ثمنها للأشخاص الذين فقدوا منازلهم. هكذا، تمكنت الفنانة الصاعدة من أن يكون عملها تشجيعاً على أن يعمل كل فرد وفق إمكاناته، فـ«أي عمل، لو كان فردياً، قد يصنع فارقاً كبيراً».

بطل من بلادي
إيهاب ترو



عنوان اللوحة هو اللقب الذي أطلقه التشكيلي إيهاب ترو على بطل لوحته الذي صادفه خلال مشاركته في رفع الضرر عما أصاب أهل بيروت. يذكر ترو أن مشاركته في رفع الركام جعلته يلتقي كل فئات المجتمع اللبناني، وكان أكثر ما لفت انتباهه مشهد هذا «البطل الشجاع»، كما وصفه، ليجعله محور لوحته ويخلّد مشاركته كي تكون قدوة.
يجمع إيهاب، الحائز الماجستير في الهندسة المعمارية في «جامعة موسكو للعمارة والفنون الجميلة»، خبرة عشرين سنة بين الهندسة الداخلية والفن التشكيلي.

الأرض الباكية
محمود ياسين



«حينما كنا في القرية على ضفاف النهر لتنقية صدورنا بعدما تنشّقنا من الغاز الكيميائي السام المنبعث في هواء بيروت ما يكفي، اقترح الشباب تفريغ حزننا وغضبنا، في الوقت الذي لم نتمكن فيه من إنقاذ وطننا وشبابنا الذي يذبل فيه شيئاً فشيئاً. ولأنني الفنان كما يزعمون، كان عليّ تنفيذ عملي الفني على تراب ارتوى من دماء شهداء الدفاع عن الوطن»، يحكي الشاب محمود ياسين عمّا دفعه لإنجاز عمله الاستثنائي بقالب فني مختلف. اختار ياسين أن يقدم عمله على التراب، فرسم خريطة لبنان بحفرة تجسدها، ثم رصف الحجارة جنباً إلى جنب كجندي حارِس، ثم ملأ الحفرة بمياه «الأرض الباكية»، كما يراها، وأخيراً أشعل على حدود بيروت ناراً باستخدام مادة البنزين وبعض الأوراق. ومحمود المولع بالفنون والرسم صقل موهبته بتخصّصه في الـ «غرافيك ديزاين».

ليل بيروت الطويل
ماهر ناجي



«لن نغمض عيوننا هذه الليلة. سنعطي مآقينا لليل بيروت الطويل»، هكذا عبّر الفنان الفلسطيني ماهر ناجي عن حزنه ليلة انفجار المرفأ، فلم يستطع أن يخفي تأثره الواضح وتضامنه إلى أن ترجمه بلوحة تحمل أسلوبه الخاص. ما إن ترى اللوحة، حتى تعود إلى مخيلتك لحظة الانفجار. قدّم ناجي بحركته وألوانه نسخة تجريدية عن تلك اللحظة، «مساء، حين كانت بيروت مضرجة بدماء أحبتها، هذه المرة أتاها الموت من صوب البحر». علماً أنّ ناجي مولود في مخيم جباليا للاجئين في قطاع غزة، وحائز شهادة الدكتوراه في العمارة العربية في «أكاديمية بارون شتيغلز للفنون التطبيقية» في سان بطرسبرغ في روسيا.

حداد
رضا زين الدين



اختار رضا زين الدين للوحته وللحزن الساكن فيها ما يليق، فاستخدم تقنية الرصاص، وصوّر الحزن على شكل وجه رجل مسنّ يتملّك الألم ملامحه، وخلفه المدينة في لحظة الانفجار. بأسلوبه الهادئ، تمكّن زين الدين من إيصال رسالته، قائلاً بالاقتباس عن ناجي العلي: «أستطيع أن أقول إنني مهمومٌ وهمّي ليس شخصياً بل همّ جماعي يرتبط بآلام الآخرين. حالة الحزن ظاهرة إنسانية نبيلة... بل هي أنبل من الفرح، فالإنسان يستطيع افتعال الفرح، أما الحزن فلا». وزين الدين حائز شهادة الماستر في الفنون التشكيلية في الجامعة اللبنانية، ومشارك في عدد من المعارض الجماعية.

الملائكة الأقوياء
توم يونغ



تضامناً مع الشعب اللبناني، رسم الفنان البريطاني توم يونغ لوحات يصوّر فيها مشاهد ما بعد الدمار، وقد نشرها على حسابه في فايسبوك حيث حصدت اهتماماً واسعاً وحظيت بالنشر. يصوّر يونغ من خلال لوحاته الدمار بدقّة وحرفيّة عالية، من الأسلاك المتداخلة والركام المتناثر إلى صورة العلم اللبناني المنعكسة على الزجاج المحطّم، ويولي في لوحاته أهميّة كبرى لعنصر «الناس» الذين يكنسون ويرفعون الركام، دون إغفال «الماسكات» على وجوههم في إشارة إلى حفاظهم على التدابير الوقائية جراء جائحة كورونا، فيصفهم بـ«الملائكة الأقوياء الذين يمثلون لبنان الحقيقي». ويونغ يحمل البكالوريوس في الدراسات المعمارية في «»جامعة نيوكاسل» وهو اتخذ من بيروت موطناً منذ عام 2009.

أرواح هائمة
ياسر الديراني



أوصل التشكيلي، ابن بلدة قصرنبا البقاعية، ياسر الديراني، سلامه إلى بيروت بثلاث بلوحات تشكّل تجسيداً لهول الكارثة. فبعناصر وألوان متناغمة، ينقل لنا الفنان المشاهد التي تتنوع بين الدم والنار والرماد، وفوقها أرواح هائمة يصورها لنا بقالب أنيق. يقول: «حملت أدوات الرسم وبدأت أرسم، لا أعلم كيف ولم أصدق في بداية المشهد هل هذه بيروت حقاً! توقفت عن الرسم لدقائق ثم عدت وتركت نفسي بين الألوان حتى انتهيت». والديراني تشكيلي ونحّات وله كتابات في الشعر المحكي.

بين الركام
شذى أبو شقرا



ربما تكون شذى أبو شقرا من الفنانين القلائل الذين رأوا الدمار من منظور الأطفال وجعلتهم محوراً لوحتها. تقول: «صوّرت المنظر المؤلم للمشاهد الأولى بعد دويّ الانفجار. هو حدث يتكرر كل حين، وسيُخلّد في ذاكرة الأطفال الأبرياء». اللوحة تظهر طفلاً صغيراً يقف بين الركام، يحمل لعبته بين يديه، شاخصاً بصره في مشهد الدمار، فتجسّد بتفاصيلها لحظة ما بعد الانفجار بقالب دراماتيكي. وأبو شقرا تشكيلية حائزة شهادة الماجستير في الفنون التشكيلية في الجامعة اللبنانية، شاركت في عدد من المعارض الجماعية والسمبوزيومات المحلية.

لحظة من زمن
نبيل سعد



الفاجعة التي ألمّت ببيروت كان وقعها شديداً على الفنان التشكيلي نبيل سعد الذي كان يقول إنه يتأثر بشدة حين يرى مشاهد الدمار السابقة جرّاء الحرب الأهلية، فكانت لوحته «لحظة من زمن». تصوّر اللوحة الحالة العامّة للمدينة لحظة الانفجار الهائل والشظايا المبعثرة، لكنّ ضوءاً ما يكسر حدة الحزن فيها، يلوح من خلف الغيوم، ويعكس جمالاً يطغى على كل عناصر الحزن، فيتدفّق من بين الرّكام، ويندمج مع الأزرق وتدرّجاته ويتكامل مع لون الانفجار البرتقالي، لينتج عن ذلك إبداع لوني. يقول سعد: «من كانت بيروت محبوبته وعاش فيها في مختلف الأزمنة عبر رسمها كأنه يركب بساط الريح، فيتنقّل بين أزقّتها من زمن إلى آخر... ومن الترامواي إلى الفورد أبو دعسة، ومن القلعة البحرية ومينا الخشب والمرفأ إلى البسطة وأيام الشجر الأخضر والقرميد، إلى سور بيروت وبواباته». وسعد تشكيلي لبناني ينتمي إلى المدرسة الانطباعية. بدأت مسيرته عام 1996 ولبيروت معه حكاية خاصة، تلك المدينة التي بدأ فيها رحلته عام 2015، إذ كان هدفه توثيق تاريخ المدينة بأسلوبه الخاص، فأثمرت جهوده معرضَ «بيروت على خط الأفق» عام 2017 الذي أرّخ للمدينة ما بين أربعينيات القرن التاسع عشر وسبعينيات القرن العشرين.

من غزة إلى بيروت سلام
رانا الرملاوي



«من غزة إلى بيروت سلام» أوصلته رانا الرملاوي بمنحوتة رمليّة خاصّة أهدتها باسم الشعب الفلسطيني وغزة المحاصرة إلى «الشعب اللبناني البطل». للحظة، ولأن المشهد مألوف لها، ظنت أنه في غزة، لكنها عندما أدركت أنه في لبنان، أصيبت بالصدمة والحزن العميق. في منحوتتها امرأة تتّسم ملامحها بالقوّة والصبر معاً، تدير ظهرها للانفجار، كما يتصدّر المشهد العلم اللبناني، بجانبه وسم «احنا_لبعض». تقول: «أتمنى أن يحمي الله لبنان وأهله، فهم أحباؤنا وأشقاؤنا». الرملاوي تعمل منذ نحو خمس سنوات على تنمية موهبتها مستخدمة الإسمنت والرمل والجبس والصلصال. تطمح إلى إنشاء أول متحف في التاريخ يحكي معاناة الشعب الفلسطيني بدءاً من النكبة حتى وقتنا، عبر منحوتات ثلاثية الأبعاد بالأحجام الواقعية مع تدرّج تاريخي.

دقيقة قبل الكارثة
حوراء حرب



اختارت الفنانة حوراء حرب، ابنة الثمانية عشر عاماً، مشهد ما قبل الانفجار ليكون موضوع لوحتها، أي الصورة التي تناقلها ناشطون وتظهر ثلاثة رجال يحاولون فتح مدخل العنبر رقم 12 قبل أن يرتقوا شهداء بلحظات. وعن اختيارها هذا المشهد، تقول حرب إن «هؤلاء الرجال غادروا بيوتهم لتُطفئ أرواحهم عنبر الموت، لكنهم عبروا آخر أبواب الدنيا». ترسم حوراء منذ طفولتها، وقد شاركت في مسابقات عدة وكانت الفائزة بالمركز الثالث في مسابقة «منظمة الصحة العالمية» تحت عنوان «الاكتئاب» أواخر 2019. فقررت مشاركة فنها مع الناس بإنشاء صفحة أسمتها supernova art، إذ يتناسب الاسم مع اللوحات التي تقدمها، فهي مليئة بالنجوم ومستوحاة من السماء.


من جرح بيروت نبض حياة
زهراء حراجلي



تضامناً منها مع جرحى الانفجار، رسمت زهراء حراجلي لوحتها بعنوان «من جرح بيروت نبض حياة». تقول: «من آهات جرحانا نستعيد النبض ومن دماء شهدائنا نكتب حكاية بيروت مع كل فجر جديد». تظهر هذه المشاعر على الوجه الذي رسمته زهراء، إذ ينعكس في عينيه المغرورقتين بالدمع مشهد الانفجار، تحيطه آثار الدمار، وتنسال الدماء من الرأس تعبيراً عن الجرحى.
وحراجلي فنانة تشكيلية حائزة الماجستير في الفنون التشكيلية في الجامعة اللبنانية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا