عقَد «مركز التراث اللبناني» في الجامعة اللبنانية الأَميركية LAU ندوته الإِلكترونية التواصلية الثالثة عشرة عن بُعد في موضوع «أَيُّ وجهٍ للتراث اللبناني في رواياتك؟». أَعدَّها مدير المركز الشاعر هنري زغيب واستضاف إِليها الروائيين اللبنانيين حسن داود وجبُّور الدويهي وشريف مجدلاني وأَلكسندر نجار.
زغيب: التراث نبنيه كل يوم
افتتح هنري زغيب الندوة بقوله إن «في منطق الأَدب أَن يكون مرآةَ بيئته أَعلاماً ومعالـمَ وعلامات. ومن منطق الرواية أَن تحصُد من بيئتها أَغماراً جامدة يحوِّلُها خيال الروائي سنابلَ نابضةً بالحياة، فتخرجُ من آنيِّتِها المكانية والزمانية، لتخلِّدها الروايةُ مدى جميع الأَمكنة والأَزمنة. ولنا في لبنان روايات خلَّدَت أَعلاماً ومعالِـمَ من لبنان فازدهى بها الأَدبُ اللبناني، حتى إِذا ما تُرجمَت إِلى لغات العالم حملَت معها تلك المعالِمَ وأُولئك الأَعلامَ من لبنان. وهذه حال روائيين لبنانيين حملَت رواياتهم لبنانَ في ملامح مختلفة من تراثه المادي أَو غير المادي، فركّزَتْها في ذاكرة الأَدب العالمي عبر تلك الترجمات». وحول مفهوم التراث، أَوضح أَنه: «ليس يعني ما هو عتيقٌ بالٍ منقَضٍ زالَ من الذاكرة وصارَ من الماضي، ولا هو الطربوش والقنطرة والطاحون وصحن التبولة. التراث هو كلُّ ما كان أَمس ولكنْ أَيضًا كلُّ ما هو اليوم، نَصنعُه اليوم، نَعيشُه اليوم، ليشكِّلَ في أَدبنا غدًا ذاكرةً نابضةً لملامح التراث اللبناني في وجوهه المختلفة». وختم: «من روائيينا الذين حملُوا تراث لبنان إِلى العالم، أَستضيفُ أَربعةً ما إِن تَصدر رواياتهم حتى تَتَنَاقلَها الترجمات إِلى لغات العالم فتَغْنى ويَغْنى بها عالميّاً تراثُ لبنان».

داود: من المحلية تولد المشاهد
ركَّز حسن داود على المحلية في نصه الروائي، معتبراً أَنه ينطلق منها إِلى الأَشمل. وهو يرسم في رواياته بعضاً من ملامح جنوبية راسخة من بلدته، وملامح أُخرى من إِقامته في بيروت التي جاءها فتى وعاين فيها مشاهدَ ووجوهاً ظهرَت ملامحها في فصول رواياته، مروراً بفترة الستينات والحركة الطالبية فيها. وهذه الأَخيرة تجلَّت في روايته «نساء وفواكه وآراء» (صدرَت عن منشورات «نوفل» قبل أَشهر)، بما يمكن أَن تشكِّل لوحاتٍ نابضةً من ذكرياته في كلية التربية (الجامعة اللبنانية). وذكر أَن في رواياته السابقة، ومنها «بناية ماتيلد» (1983)، و«سنة الأُوتوماتيك» (1996) و«لعب حي البياض» (2005)، ظهوراً واضحاً لمناخ لبناني من الجو الذي كان في مراحل مختلفة من حياته، جسَّدها عبر شخصياته التي فيها الكثير من حياته الشخصية.
وفي مسيرته الروائية محطات تكلَّلت بجوائز لافتة، منها «جائزة المتوسط» (2009) عن روايته «مئة وثمانون غروباً»، و«جائزة نجيب محفوظ للأَدب» (2015) عن روايته «لا طريق إِلى الجنة».

الدويهي: بين الواقع اللبناني والخيال الروائي
لم يبتعد جبور الدويهي عن هذا الجو، معتبراً أَنه في معظم رواياته روى معايناته الخاصة في بيئته الممتدَّة في جلِّها بين بلدته زغرتا ومدينة طرابلس، قاطفًا منها لوحات حية من أَشخاص أَو أَحداث أَو مواقف، راح يرسمها بريشة تصويرية مَرة، وأُخرى فيها الكثير من الخيال الروائي الذي يجعل النص عملًا إِبداعيّاً. وهو هذا دأْبه في نسج النص تأْليفًا وحياكة دقيقة، كما في «شريد المنازل» وما فيها من شخصيات تترجَّح بين الهوية والانتماء (بعض أَحداثها من أَتون الحرب اللبنانية)، وفي بعضها مواضيع أُخرى ذات طابع لبناني مختلف، كما «طُبِع في بيروت»، وفيها شأْن لبناني يرسم ناحية الطباعة وهي من التراث اللبناني الذي للبنان فيه نتاجٌ شيّق ورائد.
وهذه الشمولية الإِنسانية دفعَت ببعض روايته إِلى الترجمة كما «اعتدال الخريف» (جائزة أَفضل عمل مترجم من جامعة أَركنصا) و«مطر حزيران» التي صدرت بالإِنكليزية في ترجمة بولا حيدر.

مجدلاني: اللغة فرنسية والمناخ لبناني
شريف مجدلاني الذي اعتمد الفرنسية لغة تعبيره، لم يغترب عن لبنان. وبالسُؤَال عن أَيٍّ من رواياته فيها ملامح من تراث لبنان، قال: «بل أَيٌّ من رواياتي ليس فيها ملامح من لبنان»، بدءاً من روايته الأَخيرة «بيروت 2020: تاريخ انهيار»، وهي نالت قبل أَسابيع جائزة لجنة «فيمينا» الشهيرة في فرنسا. وقال عنها إِنها مجموع تدوينات كان يقتطفها من معايناته ومشاهداته اليومية، حتى كان انفجار المرفأ فزاد منها واتخذَت الرواية منحى الانهيار الذي أَصاب بيروت.
والملامح ذاتها أَيضاً تظهر في روايته «المرصد وسيِّده الأَخير» (2013) وفيها لوحات لبنانية مختلفة الأَشخاص والأَماكن والأَحداث حتى ليمكن اعتبارها بعضاً من هذا التراث الذي نشأْنا عليه وأَسسنا له هالة تبقى من حاضرنا وبعض ماضينا مرآة عاكسة جوّاً لبنانيّاً ينشده الغرب حين يطَّلع عليها فيكوِّن صورة جليَّة عن لبنان تَسِمُها ملامح الخيال الروائي.

نجار: لوحات لبنانية دائمة
لعل أَلكسندر نجار أَكثر الروائيين التزاماً بلبنان في مختلف كتبه من مختلف نواحي تراثنا اللبناني أَعلامًا («جبران»، «ميشال زكور»، «بونا يعقوب»...) ومعالم («رواية بيروت»، «قاديشا»، «حصار صور»، «الفلكي» عن علاقة غاليليو وفخر الدين، ...) وعلامات («ديغول ولبنان»، «قاموس لبنان العاطفي»...) حتى ليمكن اعتباره مؤَرخاً من دون أَن يدعي التأْريخ، ورسامَ وجوه وحكايات وأَحداث من دون أَن يدعي العمل التشكيلي. وحتى في كتبه البيوغرافية الذاتية («ميموزا» عن والدته، و«صمت التينور» عن والده، و«مدرسة الحرب» عن طفولته) بقي أَدبه نابضاً بالبيئة اللبنانية التي أَطْلعت لوحة رائدة من كل نوع وعصر ومكان. وهو يرى أَن رسالة الكاتب هي في انبثاق الفكرة من أَرضه الأُم وتَوَزُّعها في ما بعد أَرجًا يضوع في حيثما يمكن أَن يَبلغ هذا الضَوع في العالم، زارعاً تراث لبنان في العالم عبر ترجمة روايته إِلى عدد من لغات العالم. وفي ختام الندوة فتح زغيب مجال الحوار، فتداخل مع الروائيين حضورٌ من لبنان وخارج لبنان.