تحرير وترجمة: رشيد وحتي
بتصاعد شراسة الوباء عالمياً، صارت تُطْرَحُ على الوجود البشري والعلاقات الإنسانية أسئلة فلسفية وإبداعية جديدة، أسئلة جديدة حول الحب، جدواه، إمكانات تحقّقه، حول تَمَثُّلات مغايرة له، في ظل إكراهات ما صار يُسمى حجراً صحياً قطَّعَ أوصال المدن والقرى والمجتمعات وصَعَّبَ الوصلَ بين أزواج المُحِبِّينَ، فصارت للاحتفال بعيد الحب نكهة خاصة، نكهة بطعمِ المنع والفراق والهجران والكآبة والاحتياط والخوف، وغيرها من أشكال المشاعر الإنسانية التي جعلت أنبل علاقة بشرية تتخذ أشكالاً دراماتيكية، إن لم نقل تراجيدية. نشير فقط إلى أن ثيمة الحب الممنوع والحزين وغير المتحقق ليست جديدة أبداً، فبعض من تجلياتها صرخةُ/ وصية ماياكوڤسكي قُبَيْلَ انتحاره: «تهشّم قارب الحب في وجه الحياة الجارية». وكما يقال: انفرط الحدث»، أو إنشاد لوي أرغون تحتَ الاحتلال النازي لفرنسا: «ليسَ هناك حُبٌّ سعيدٌ» توافقاً مع موجة الاضطراب الوبائي الذي سرى في أوصال العالَم، كما سرى بين أضلع العاشقين، يحتفي ملحق «كلمات» بعيد الحب مقدّماً قصائد حب من المشهد الشعري العالمي ومن جلّ العصور بِطَعْمِ المأساة.
ملحوظة: كل النصوص الأجنبية من ترجمتنا.


1. أپّولينير: جسْر ميرابو
تحْت جسْر ميرابو يجْري السّينْ
وماذا عنْ تعشّقاتنا
هلْ يتوجّب عليْه أنْ يذكّرني
كانت الْبهْجة تحلّ دوْماً بعْد الْحزْن

فلْيحلَّ اللّيْل فلْتدقَّ السّاعة
تمْضي الْأيّام وأنا أبْقى

بالْأيْدي في الْأيْدي لنبْقَ وجْهاً لوجْهٍ
بيْنما تحْت
جسْر ذراعيْنا تمْضي
موْجة نظراتنا السّعيدة البالغة التّعب

فلْيحلَّ اللّيْل فلْتدقَّ السّاعة
تمْضي الْأيّام وأنا أبْقى

يمْضي الْحبّ كما هذا الْـماء الْجاري
يمْضي الْحبّ
كمْ هي الْحياة رتيبةٌ
وكمْ هو الْأمل عنيفٌ

فلْيحلَّ اللّيْل فلْتدقَّ السّاعة
تمْضي الْأيّام وأنا أبْقى

تمْضي الْأيّام والأسابيع
ولا الزّمن الْفارط
ولا التّعشّقات تعود
تحْت جسْر ميرابو يجْري السّينْ

فلْيحلَّ اللّيْل فلْتدقَّ السّاعة
تمْضي الْأيّام وأنا أبْقى.

2. إدريس الملياني: كرمْ يفْتح أزْرار آصْلي
آصْلي وكرمْ أسْطورةٌ ترْكمانيّةٌ تقول: إنّ كرمْ جاهد سنين طويلةً حتىّ يلْتقي بحبيبته آصْلي. وأخيراً ينال بغْيته. لكنّ والد الفتاة المخادع جهّز ابْنته بثوْبٍ سحْريٍّ. وحين انْفرد الْعاشقان في ليلة زفافهما، بدأ كرمْ بفتْح أزْرار ثوب حبيبته، ولمّا انْتهى إلى الزرّ الأخير، عادت الْأزْرار ثانيةً إلى الْانْشداد مرّةً أخْرى. وهكذا يسْتمرّ الْحال حتىّ الصّباح، حيْث يحْترق كرم من فرْط عشْقه...

— أفنْدمْ؟
— عمْ مساءً، كرم!
— تشكّورْ إيْديريمْ!
— كلّ شيْءٍ على ما يرام؟
— تمامْ!
— و..آصْلي؟
— تصلي!
— وقفْطانها المخمليّ الجميل؟
— طويلٌ، طويل
كما خيْط أرْيان جدّ طويلْ
باتّساع الْمدى والْبلاد
— والمتاهة
— موغلةٌ في البعاد
لا قرار لها
هي — لا تنْتهي
وأنا — لا أصل
حيْثما أنْتهي تبتدي
ويدي
لا تكلّ
— وأزْرار قفطانها؟
— لا تحلّ
كأسْرار هذه البلاد
لمْ تزل
في امْتدادٍ
وانْشدادْ
كأوْزار هذه العباد
التي ليس فيها أمل!
كلّما أنا فتّحْت زراً يعادْ
زرّها — وزْرها
وزْرها — سرّها
سرّها — سحْرها
وأنا بيْن: شينٍ وراءٍ وقاف
وغينٍ وراءٍ وباءٍ
و: شدٍّ وحلّ!
أموت احْتراقاً بها
واشْتياقاً إليْها أموت
ولمْ أتبلّغْ من الْوصْل إلاّ الْألمْ!
— عمْ صباحاً، كرمْ!
عمْ صباحاً ونم
ملْء جناحيْك في قلْب هذه الْبلاد
طائراً منْ رمادْ!

3. يوجينْيو دي أنْدْرادي: ما من طريقةٍ أخْرى للدّنوّ منْ فيك...
ما منْ طريقةٍ أخْرى للدّنوّ منْ فيك: شموسٌ وبحارٌ كثيرةٌ تحْترق كيْ لا تكوني منْ ثلْجٍ: جسدٌ منْغرسٌ في الصّيْف: سنونوات البحر تكلّل وجهك بحوْمها: موسيقى غيْر مكْتملةٍ تخلّصها الْأيْدي: ألقٌ منْتشرٌ فوْق الظّهْر والْحقْويْن، أكْثر رقّةً في تجْويفة الْكلْيتيْن: كيْ أحْملك نحْو فمي، بحارٌ كثيرةٌ احْترقتْ، سفنٌ كثيرةٌ.

4. روبيرْ ديسْنوس: كثيراً ما حلمْت بك
كثيراً ما حلمْت بك بحيْث تفْقدين واقعيّتك.
أما زال الْوقْت سانحاً لإدْراك هذا الْجسد الْحيّ وتقْبيل ميلاد الصّوْت العزيز عليّ، على هذا الفم؟
كثيراً ما حلمْت بك بحيْث إنّ ذراعيَّ الْمتعوّدتيْن أن تحْتضنا طيْفك على التّشابك فوْق صدْري، قدْ لا تلينان حوْل نطاق جسدك، ربّما.
وبحيْث إنيّ، قداّم الْمظْهر الْواقعيّ لما يسْكنني ويقوّضني منْذ أياّمٍ وسنين سأصير طيْفاً دونما شكٍّ،
آهٍ أيّتها الموازين الْعاطفيّة.
كثيراً ما حلمْت بك بحيْث لمْ يعدْ منْ داعٍ – لا ريْب في ذلك - لاسْتيْقاظي. أنام واقفاً، وجسدي معرّضٌ لكلّ مظاهر الْحياة والْحبّ وأنْت، الْوحيدة الّتي أعْتدّ بها الْيوْم، لي أنْ ألْمس جبينك وشفتيْك بدرجةٍ أقلّ منْ أوّل شفتيْن وأوّل جبينٍ قادمٍ.
كثيراً ما حلمْت بك، كثيراً ما تمشّيْت، تكلّمْت، نمْت مع شبحك بحيْث لمْ يبْق لي ربّما، ورغْم كلّ شيْءٍ، إلاّ أنْ أكون شبحاً بيْن الْأشباح وطيفاً مضاعفاً مئة مرّةٍ للطّيْف الّذي يحوم مرحاً فوْق مزْولة حياتك.

5. موشح لمجهول: أغائبة عنّي وحاضرة معي
أغائبة عنّي وحاضرة معي أناديك لمّا عيل صبْري فاسْمعي
أفي الحقّ أنْ أشْقى بحبّك أوْ أرى حريقاً بأنْفاسي غريقاً بأدْمعي؟
ألا عطْفةٌ تحْيا بها نفْس عاشقٍ جعلت الرّدى منْه بمرْأى ومسْمعي
صليني بعض الوصل حتى تبيّني حقيقة حالي ثمّ ما شئْت فاصْنعي

6. پّابْلو نيرودا: غسقيّةٌ
حبَّ الْبحّارة أُحِبُّ
يعانقون فيرْحلونْ.

يتْركون وعْداً.
لا يعودون أبداً.

في كلّ ميناءٍ امْرأةٌ تنْتظرْ
البحّارة يعانقون فيرْحلون.

وذات ليْلةٍ ينامون مع الْموْت
في فراش الْبحْر.

7. نوڤاليسْ: يوْميّاتٌ حميميّةٌ
الْيوْم 56 من الْحداد: 13 مايو
مساءً، ذهبْت نحْو صوفْيا. هناك، كنْت في فرحٍ، سعادةٍ خارج كلّ تعْبيرٍ — هنيْهات جذْوةٍ خاطفةٌ — الْقبْر، أمامي، نفخْت فيه كما لو كان غباراً — كانت الْقرون كلحظاتٍ؛ حضورها الْمحْسوس: في كلّ هنيْهةٍ كنْت أظنّني أراها تتقدّم أمامي.

8. جاكْ بريڤير: برْبارةْ
تذكّري برْبارةْ
كانتْ تمْطر بلا توقّفٍ فوْق بْرسْتْ
وكنْت تمْشين باسمةً
منْشرحةً جذْلانةً رقْراقةً
تحت الْمطر
تذكّري بربارةْ
كانتْ تمطر بلا توقّفٍ فوْق بْرسْتْ
وتقاطع سبيلانا بشارع سيامْ
كنْت تبْتسمين
وأنا بدوْري كنْت أبْتسم
تذكّري برْبارةْ
أنْت الّتي لم أكن أعرفك
أنا الّذي لمْ تكوني تعْرفينني
تذكّري
تذكّري رغْم كلّ شيْءٍ ذلك النّهار
لا تنْسيْ
كان رجلٌ يحْتمي تحْت كنّةٍ
وصاح باسْمك/ برْبارةْ
وأسْرعْت الْخطى نحوه تحت الْمطر
رقْراقةً جذْلانةً منْشرحةً
وارتميْت في حضْنه
تذكّري برْبارةْ
ولا تتحسّسي منّي إنْ رفعْت معك الكلفة
أرفع الكلفة مع كلّ الّذين أحبّهم
ولْو أنّي لمْ أرهمْ إلّا مرّةً واحدةً
أرفع الكلفة مع كلّ الّذين يتحابّون
ولْو أنّي لا أعْرفهم
تذكّري برْبارةْ
لا تنْسيْ
هذا الْمطر الحكيم والسّعيد
على محيّاك السّعيد
على هذه الْمدينة السّعيدة
هذا المطر على البحر
على ورشة السّفن الحربيّة
على سفينة ويسانْ
آهٍ برْبارةْ
أيٌّ سخافةٍ هي الحرب
كيْف صار حالك الآن
تحت هذا المطر الْحديد
الْحديد الْفولاذ الدّم
وذاك الذي كان يحْضنك بيْن ذرْعانه
بعْشْقٍ
مات اخْتفى أوْ ما زال على قيْد الْحياة
آهٍ برْبارةْ
تمْطر على بْرسْتْ دونما توقّفٍ
كما كانتْ تمْطر منْ قبْل
ولكنْ ليْس بنفْس الْمنْوال فكلّ شيْءٍ فسد
هو مطر حدادٍ رهيبٌ وموْحشٌ
لمْ يعدْ حتّى زوْبعةً
حديدًا دماً
فقطْ غيْماتٌ
تنْفق كالْكلاب
كلابٍ تخْتفي
مع سيْل الْماء على بْرسْتْ
وتذْهب لتنْتن بعيداً
بعيداً بعيداً جدّاً عنْ بْرسْتْ
الّتي لمْ يبْق منْها شيْءٌ.

9. طاهر رياض: حَرَقِي
لمْ أكنْ للنّار إلّا حطباً
أوْ ورقاً

أَنَا لَا أَخْذُلُ مَنْ يَعْشَقُنِي

مُنْيَةُ الْمَعْشُوقِ أَنْ يُوْرِقَ مُخْضَرّاً
وَأَنْ يَيْبَسَ مُخْضَرّاً
وَأَنْ يَحْتَرِقَا!

10. ريلكه: نشيد حبٍّ
كيْف لي أن أمْسك بتلابيب روحي كيْ لا تلامس بخفّةٍ روحك؟ كيْف لي أنْ أهزّها منْ فوْقك نحْو أشْياء أخْرى؟ وددْت لوْ خبّأْتها قرْب شيْءٍ ضائعٍ في الظّلام، في مكانٍ غريبٍ وهادئٍ، لا يرجّع الصّدى حين ترْتعش أعْماقك. ورغْم ذلك، فإنّ كلّ ما يمسّنا يذيب واحدنا في الْآخر كقوْس الْكمنْجة الذي منْ وتريْن يسْتخْلص صوْتاً واحداً: على أيّة آلةٍ نحْن مضْطجعان وأيّ يدٍ تمْسك بنا؟ يا للْأغْنية الْهادئة.

11. فريد الدين العطار: أيّها الْبلْبل الشّادي، غنّ
هو عيدٌ، فغنّ للْعشّاق. ها قدْ نما الْعشْب، فاتْركْ قلْبك وكلّ وريْقات الْبسْتان. اجْعلْ من الْياقوتيّات والْياسمينات وسادةً لك واسْتظلّ بأوْراق الْبنفْسجات. انزع عمامتك التي تشْبه التّوليب وكنْ فرْحانَ، ارْقصْ وغنّ. تناولْ ديْوان غزلٍ واقْطفْ منْ كلّ صفْحةٍ زهْرةً. احْملْ، إن اسْتطعْت، نحْو أذن ضيْفك الْعارف مئة لؤْلؤةٍ من التّفكّر الْعميق. وأنْت تسْتعدّ لقراءة قصائد الْعطّار، اذْهبْ وأنْشدْها في محافل الْعشّاق. نحْن متصوّفة الصّفاء، متحرّرون منْ أنْفسنا، متّصلون بالذّات الْإلهيّة.

مصادر النصوص
إدريس الملياني: بملْء الصّوْت، الدار البيضاء، 2005.
طاهر رياض: ينْطق عن الْهوى، دار أزمنة، عمان، 2008.
Eugénio de Andrade: Blanc sur blanc, poèmes traduits du portugais par Michel Chandeigne, éditions de la Différence, Paris, 2001.
Apollinaire: Alcools, Gallimard, Paris, 1966.
Robert Desnos: Corps et biens, Gallimard, Paris, 1968.
Pablo Neruda: Crepusculario, Losada, Buenos Aires, 1995.
Novalis: Journal intime, Mercure de France, Paris, 1997.
Jacques Prévert: Paroles, Gallimard, Paris, 1946.
Rilke: Nouveaux poèmes, Traduits de l’allemand par Lorand Gaspar et Jacques Legrand, Seuil, Paris, 2008.
Attar: Les sept cités de l’amour, poèmes traduits par Jalal Alavinia, Albin Michel, Paris, 2013.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا