حين تكون الطبيعة طاغيةً بجمال ألوانها على ماهية الألوان في ما تقدمه ريما النخل في مسيرتها لخلق الطبيعة في لوحاتها، والتي انتقلت بها من وجهها السردي الوصفي الواقعي الى غنائية لونية تعبيرية تجريدية، عرفت لوحاتها تطوراً تصاعدياً، من المنظر الطبيعي الأليف العادي الى المنظر الطبيعي المختزل التجريدي. لوحات زيتية واكريليكية تحكي بألوانها الزاهية قصصاً بصرية أنيقة هادئة وشفافة. لم يعد للفنان ارتباط عفوي بالطبيعة، لكأنّ مرحلة المنظر كما مارسه الأسبقون من الفنانين اللبنانيين، قد سقط مع الزمن، ليتربع مكانه المنظر المركب، حيث لثقافة الفنان وللطبيعة المدجنة من حوله أثر عميق في اختياره لعناصر لوحته، حتى تلك التي على علاقة مباشرة بالمنظر الطبيعي.
من أعمالها

تقول الفنانة ريما النخل: «الطبيعة في لوحتي لها ملامح تجريدية. أشعر وأنا أرسمها بأني أدوّن فقط الخلاصات البصرية لما يبقى من المنظر في عيني بعد رجوعي الى المحترف. وهذا المبدأ المعقود على الخلاصات البصرية، هو الذي يوجّه عملي مهما كان الموضوع الذي أعالجه، حتى عندما يكون هذا الموضوع ذا نزعة اجتماعية وسياسية. هذا العنف مثلاً الذي عشناه في لبنان أو الذي نعيشه الآن من خلال الإنسان العربي، كأنه حاضر مادياً في نسيج الواني. بعضه يدخل طرفاً في حياكتي للألوان التي تأتي دوماً عالية النكهة ولا تخلو من غضب ورفض وثورة.
أنا من الذين لا يحبون المعالجات المباشرة. أميل بطبيعتي الى الإيحاء والإيماء، أي الى الصوغ القريب من الوشوشة. لا أصل الى الصراخ سوى في اللحظات التي تترك بصماتها الرمادية في حياة الإنسان. فني دقيق وأريده في موضعه، لكوني أحبّ أن أدلّ على ما أشعر به بالمفردات التي تحاصر جداً المعاني التي تتولد فيّ. أعتبر أنّ النقطة المركزية في فني موجودة في رغبتي في إيصال ما أريد قوله بدقة شكلية ولونية وتعبيرية. ومن خلال ذلك، أشعر بأنني أبني مساراً فنياً منّي ولي، ومن مجتمعي وله».
وعن بيروت، تقول النخل: «حظّي كمثقفة أنني ولدت في بيروت، في منطقة لا تزال الى اليوم تحذر من مواجهة حداثة فعلية لصالحها مع حضارات زمنها، ولشباب من عمري، ومن متخرّجي معاهد مقرونة أسماؤهم بحداثة قصوى، ومن متابعي الأحداث التشكيلية والجديدة، في مدينة عربية، بيروت، مشهود لها باستيعابها العريض للفنون من ألفها الى يائها، ولفنانين مهما تطرّفوا في بناء نصوصهم، فقد يجدون كشباب ذي عَصب عصري، إثارةً ثقافيةً كبرى في أن ينخرطوا تصوّراً وتصميماً وتنفيذاً وعلى كل جبهات القول النقدي والفعل الإبداعي، في صميم مجريات تبدو لمن يتعامل معها من خارجها، أنها غارقة في الفوضى وتغلي على تشتت، وتمارس الشيء وعكسه، وتتعاطى بالمرونة عينها مع أكثر النصوص تراثية كما مع أكثرها استعارة من الافتراضات التكنولوجية. بيروت المدينة التي لم تتغلب عليها الحروب خلخلها اليوم سلامها.
العنف الذي عشناه في لبنان أو الذي نعيشه الآن من خلال الإنسان العربي، حاضر مادياً في نسيج ألواني

بيروت بالحرب كانت أصدق وأعمق وأخصب، كأن المدينة في مكان آخر، أو لكأنها قلبت الصفحة عن مرحلة كانت تعتبر نفسها المختبر الطليعي للثقافة العربية. يغيب «الكبار» بينما تتصاعد الى الواجهة الأسماء التي لا تزال تحت الاستفهام: الكبار يرحلون والآتون كالحصرم ينتظرون.
بغياب الحركة النقدية، أصبح الفنان الفاشل مبدعاً. من سنة 1991 الى 2014، وثّقت مقالات وأحاديث نزيه خاطر. قلمه يدل عليه. كان دائم البحث عن الإبداع. في الشعر والمسرح والفنون التشكيلية، عشت مع كبار الرسامين والمسرحيين والشعراء والروائيين والنقاد. عرفتهم، من نزيه خاطر الى شفيق عبود وسعيد عقل الى نقولا النمار وإيلي كنعان وايفيت أشقر وسلوى روضة شقير وناديا صيقلي». ريما النخل ترسم كأنها تتكلم... لغتها الخطوة واللون .

* كاتب فلسطيني

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا