«نكتب حول مناطقنا ومدننا لأنَّها شديدة الجمال، ولأنَّها مظلومة بكل ما تحويه كلمة ظلم من معنى، أدبيّاً وثقافيّاً ومعرفيّاً». لا يوفر مدرّب الكتابة الإبداعيَّة عبد الرحمن جاسم مناسبة من دون أن يمرّر فيها هذا المعنى حول رؤيته للكتابة ووظيفتها، وإن بصيغ مختلفة. يبدو مفهوماً – والحال هذا – أن تحمل الرواية الأولى لأحمد شيبان أحد خرّيجي الجيل الأوَّل من ورش الكتابة الإبداعيَّة التي يقدّمها جاسم في دار – المجمع الإبداعي، عنوان «كنده بعلبك»، وأن يدور القسم الأكبر من أحداثها في «مدينة الشمس»، خصوصاً أنَّ الكاتب ينتمي إليها.
وتدور الرواية التي صدرت أخيراً عن «دار»، والمؤلفة من 21 فصلاً قصيراً وتقع في 196 صفحة من القطع المتوسط، حول كنز ذهبي مرصود في مكانٍ ما من بعلبك، كانت قد دفنته قبيلة كندة التي تأخَّرت في الدخول إلى الإسلام، خشية عليه من المدّ الإسلامي الذي أدركت أنَّه لن يتوقف، ولا يملك الحجّة اللازمة للحصول على الكنز إلا يعرب أبو زيد ابن مدينة جنين الفلسطينية، والحجّة عبارة عن رقعة جلديَّة كُتِبَ عليها «سيبحثون عنه في كل مكان، في كل شبر من الأراضي المقدّسة! وقد وضعناه في بقاع الأرض، محروساً مرصوداً بقوة من نار، تحت قبّة تدمع فيها العين، ليبقى مثل معبد جارته إلهة الحبّ والجمال والنصر، خالداً – كما نحن- خارج الحصن». وهذه الرقعة كانت محفوظة في غرفة مقفلة بالقرب من قبر جد يعرب في جنين إلى أن أطلعته عليها الجنيّة «زاجرة» لتخيّره بين المقامرة على روحه والذهاب إلى بعلبك لفكّ الرصد وتحرير الكنز بعد تحديد مكانه، وبين بقائه مشرّداً ينام فوق قبر جدّه بعد اختفاء والده عمران.
ويبدو الكاتب موفّقاً في جمع التاريخي بالمتخيَّل والمُعاش في روايته، منتقلاً بسلاسة من الحكاية المعروفة عن امرئ القيس الكندي وثأره لوالده، إلى حكاية مزعومة على لسان الجنيَّة «زاجرة» تدَّعي فيها أنَّها هي من قتل امرأ القيس انتقاماً لوالدها الإله ذي الخلصة الذي صفعه امرؤ القيس بعد أن نهاه عن الثأر لوالده، إلى حكايتين شبه معاصرتَين تتقاطعان في نقطة ما من الراوية الأولى للحاج قيس حندج زعيم قبيلة حندج الكندية وعشائر البقاع وابنته كندة، والثانية ليعرب الذي سبق ذكره، والكِنديّ هو الآخر.
وفضلاً عن التفاصيل التاريخيَّة الحقيقيَّة، يمرّر شيبان في نصّه الروائيّ المشوّق والمتماسك الكثير من الإشارات الجغرافيَّة إلى أماكن موجودة في بلادنا وغير معروفة على نطاق واسع وغير مطروقة من قبل، مثل قبّة السعيدَين أو قبّة السعادين في بعلبك، ولاسمها قصّة يوردها الكاتب في سياق الرواية.
وأحمد شيبان هو مدرّب رياضي يتابع دراسة الماجستير في الهندسة الصناعيَّة في الجامعة اللبنانيَّة الدوليَّة، و«عربي من لبنان» كما يحبّ أن يعرّف نفسه، صدرت له مجموعة قصصيَّة بعنوان «قناع واحد لا يكفي» وشارك مع عدد من زملائه من خرّيجي «جيل الروَّاد» في ورشة الكتابة الإبداعيَّة في كتابة المجموعة القصصيَّة «بندقيَّة تشيكوف». أمّا «كنده بعلبك»، فهي روايته الأولى التي ستكون جزءاً من سلسلة ربَّما تتوقف عند ثلاثة كتب وربَّما لا تتوقف أبداً كما يأتي في مقدّمة الكتاب.