ذكر المؤرخ ابن كثير في «البداية والنهاية»: «وفي سنة 408 (هجرية) استتابَ القادرُ بالله الخليفة فقهاءَ المعتـزلة، فأظهروا الرجوعَ وتبرؤوا من الاعتـزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام، وأُخِذت خطوطهم بذلك، وأنـهم متى خالفوا أُحلّ بـهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم. وامتثل محمود بن سبكتكين أمرَ أمير المؤمنين في ذلك؛ واستنّ بسنته في أعماله التي استخلفه عليها من بلاد خراسان وغيرها، في قتل المعتـزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبّهة، وَصَلَبَهُمْ وحبَسَهم ونفاهم، وأمرَ بلعنهم على المنابر، وأبعدَ جميعَ طوائف أهل البدع، ونفاهُم عن ديارهم. وصار ذلك سُنة في الإسلام».وهكذا يقرر الخليفة العباسي إعدامَ كلّ مَن يُخالف المذهب الرسمي للدولة، وهو المذهب الذي تم الاتفاق عليه مع مجموعة الفقهاء الموالين للسلطة.
إذن الصفقة واضحة بين الطرفين: يُضفي الفقهاءُ الشرعية على الخليفة وحُكمِهِ ويُحرّمون الخروجَ عليه أو معارضته، وفي المقابل يقومُ الخليفة بفرض مذهب هؤلاء الفقهاء على الناس أجمعين بالقوة والإكراه ويُجبر الرعية على اعتناق مقولاتهم وآرائهم تحت طائلة القتل والتنكيل!
ولا بد لنا من أن نلاحظ أن جام غضب الخليفة كان منصبّاً على المعتزلة، وكيف أنه عرضهم على السيف لإرغامهم على التراجع عن أفكارهم. ومن لا يُعلنُ التوبة فالقتلُ مصيرُه المحتوم! ولا عجب، فالمعتزلة هم أهلُ الفكر الحر ومذهبُهم يقومُ على العقل، والخليفة لا يحب العقل ولا الفكر ولا يريد سوى الطاعة والتسليم! ولنلاحظ ايضاً كيف انبرى جلاوزة الخليفة، ممثلين بابن سبكتكين، بتنفيذ أمر الابادة بحق كل الفرق والمذاهب المخالفة بهمة ونشاط! ولنلاحظ أخيراً أن هذا الاجرام قد صار «سنة في الاسلام» كما يختتم ابنُ كثير الخبر.

* كاتب وباحث من الاردن