القاهرة | المنجز الهائل الذي قدمته نوال السعداوي لا يحتاج لبذل جهد للتدليل على أهميته وجذريته. يكفي تقصي بضع قضايا مثارة في اللحظة الراهنة في ما يتعلق بنقاط التقاطع بين المحرمات/ التابوهات الثلاثة: الدين والجنس والسياسة، التي دأبت طوال نحو ستة عقود على تعريتها وانتهاكها. في ختام مؤتمر الأزهر لـ «تجديد الفكر والعلوم الإسلامية» العام الماضي، دار جدل بين شيخ الأزهر أحمد الطيب، ورئيس جامعة القاهرة محمد الخشت، تحدث فيه الطيب «بصراحة تامة» عن عمق الأزمة التي يمر بها الإسلام. وفي ثلاث جمل، لخّص دراما المحرمات الثلاثة: «شخصيتنا انتهت، الغرب يقضي في أمورنا في غيابنا، ولم يبقّ من الإسلام- في حياتنا - إلا مسألتا: الزواج والطلاق والميراث».تبدو قراءة الطيب «الصريحة» مفرطة في التشاؤم، مغمورة بشعور عميق بالهزيمة، وهو يعترف أن الحصن الأخير هو منظومة الأحوال الشخصية والميراث، وحولهما ستدور «معركة فاصلة»، ظهرت طلقاتها الأولى الشهر الماضي عبر واقعتين: الأولى متعلقة بتداول نسخة مقترحة لمشروع قانون للأحوال الشخصية (خاص بالمسلمين) أحيل للبرلمان، لكن تأجّل النظر فيه إلى حين إجراء «حوار مجتمعي» بشأن بنود أثارت جدلاً كبيراً. إذ نُظر إليه على أنه ردة هائلة على القانون الحالي، فالمشروع المقترح ينزع عن المرأة حقها في اختيار زوجها ويضع الذكر «الولي» وصياً عليها مدى الحياة. وقد واجه المشروع هجوماً شديداً من خلال حملة «الولاية حقي» التي قادتها مصريات يعشن «معاناة» يومية مع القوانين التي تحرمهن حقّ الولاية على أولادهن، وعلى أجسادهن حتى في بعض الحالات. وعبر وسم الحملة على فايسبوك وتويتر، نشرن قصصاً عن معاناتهن مع واقع عدم قدرتهن على اتخاذ قرارات تتعلق بهن أو بأبنائهن. مشروع القانون المقترح يحوي نصوصاً صارخة في تمييزها ضد المرأة، تنفي عنها الأهلية القانونية. الواقعة الثانية عُرفت إعلامياً بقضية «مقتل سيدة السلام» التي أثارت جدلاً صاخباً حول «حق المرأة في السكن بمفردها من عدمه».
تشأوم الطيب والقانون المقترح والواقع المعاش، تنبّه بجلاء إلى منجز السعداوي التي قدمت كتابها الرائد «المرأة والجنس» (1972)، حيث رصدت مختلف أنواع العنف التي تتعرض لها المرأة. كتاب أصبح منذ نشره بمثابة النص التأسيسي للموجة النسوية العربية الثانية. الجوانب الإبداعية المتنوعة التي قدمتها السعداوي طالت مناحي وقضايا شديدة الثراء، لكنّ كتابتها عن حياتها الشخصية كانت ذات مذاق خاص، وإن كان المنظور العام حاضراً بصورة لافتة. ففي حديثها عن طفولتها في كتابها «أوراقي …حياتي (الجزء الأول)»، عرضت حادثة ختانها الأليمة في سن السادسة. تناولت شخصية الداية «أم محمد»، التي «تَثقُب آذان البنات أو بظورهنَّ»، ووصفتها بأنّ لديها «ثأراً قديماً بينها وبين جنس الإناث؟ تكره نفسها إلى ذلك الحد؟».
مشروع قانون للأحوال الشخصية ينزع الكثير من حقوق المرأة في مصر

أم محمد وجدة نوال نموذجان لعمق سيطرة «التراث- الدين» على عقلية النساء، وتحولهن إلى عدوّات لجنسهن «الأنثى ضد الأنثى»، وفيهما يتلاقى تابو الجنس والدين بصورة فاضحة. كتبت السعداوي عن زيجاتها الثلاث بصراحة وعمق يغادر بصورة مطلقة الشخصي إلى العام، ووصفت زوجها الثالث الكاتب والسياسي الشيوعي، شريف حتاته، بـ «الرجل النسوي الوحيد على وجه الأرض». لكن وقع الطلاق بينهما بعد زواج استمر 43 عاماً، لأنه «كان كاذباً. كان على علاقة بامرأة أخرى. تعقيد الشخصية ذات الطابع الأبوي. ألف كتباً عن المساواة بين الجنسين ثم خان زوجته. أنا متأكدة أن 95% من الرجال هكذا». وفي كتابها «مذكرات في سجن النساء»، تصف تجربتها في سجن النساء في القناطر، حيث تم اعتقالها ضمن مجموعة كبيرة من السياسيين والمثقفين المصريين في ما عرف بـ «حملة سبتمبر» (1981) التي سبقت اغتيال الرئيس المصري أنور السادات. عقب خروجها من السجن، تتجه نحو تجذير حركية الدفاع عن حقوق المرأة بالمشاركة في تأسيس «جمعية تضامن المرأة العربية».
منجز هائل قدمته بين الرواية والقصة والمسرحية والسيرة الذاتية والكتابات العلمية التي تمزج بين التأريخ والأنثربولوجي والبحث الاجتماعي. لذلك تبدو في نظر الناقمين على انتهاكها المحرمات الثلاثة شخصية رجيمة تستوجب العقاب، لكنها من جانبها ظلت حتى لحظاتها الأخيرة وفية لنظرتها أن «الأنثى هي الأصل» وأنها «أكثر قدرة من الذكر... وأعلى قيمة» والعنوان بمفرده ينسف السردية التاريخية الأبوية الذكورية من أساسها.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا