عندما قالوا لي في المستشفى: «زوجتك ماتت»، لم أعلم ماذا أفعل، كنت سأذهب إلى المنزل لأخبرها بما حدث لكي تقول لي ماذا أفعل! تنسب هذه الجملة التي تحرث الوجدان إلى المعلّم الروسي تولستوي، وهو الذي تبحّر بمنطق فلسفي ووجودي بالموت وسبب الخوف منه! الكلمات تلك كانت تراودنا بحرفيتها عندما زرنا قبل أشهر قليلة الكاتب و الإعلامي السوري المخضرم مروان الخاطر يرافقنا النجم فادي صبيح والمخرج السينمائي جود سعيد لتعزيته بوفاة زوجته. جلس الرجل يومها مكسور الخاطر. بارد المشاعر. مكلوم الروح! قاطعه الأصدقاء دون قصد عدّة مرّات بسبب صوته الخفيض، وتلاشيه تماماً من الحزن. كأنه لم يكن موجوداً معنا. حينها عرفنا وقرأنا ملياً في عينيه أنّه قرر اللحاق بزوجته. هكذا، تروى القصص المعبّرة عن الوفاء لشريكة العمر، ولعلّ مروان الخاطر نموذج ناصع بالوفاء والصدق. رحل الرجل أوّل من أمس وترك خلفه مؤلفات عدّة، وشهادات ملفتة من كلّ من عاصره وعرفه وربّما خير ما تركه من إرث ابنه الإعلامي الإذاعي وضّاح الخاطر، الذي أسس إذاعة «سوريانا» بمنطق خارج السياق التقليدي، غيّر فيها وجهة النظر عن الإعلام الرسمي، وقفز بمفهوم الإدارة بمكان يختلف جذرياً عما عرفناه محلياً، حتى تسلّم عماد سارة منصب وزير الإعلام فأقال الخاطر، وأجهز على منجزه بالضربة القاضية، وكأنه كان يتقصد هدم أي منجز ثري في الوزارة التي تسلّمها!على العموم بالعودة للحديث عن الشاعر مروان الخاطر (1943 ـــــ2021) فقد ولد في مدينة البوكمال صوب دير الزور والتي اشتهرت في الحرب بسبب مكانتها الجغرافية وكونها بوابة حدودية مع العراق. ولعلّ الراحل كان نجماً ثقافياً على الساحة السورية عرّف محيطه على مدينته. تخرّج من دار المعلّمين وعمل في مهنة التدريس، قبل أن يسافر إلى اليمن مع البعثات التعليمية التي كانت تدرّس هناك، ثم عاد إلى دمشق سنة 1981 ليعمل في الإذاعة العربية الأعرق آنذاك وهي إذاعة دمشق، ويمضي سنوات في العمل الإذاعي قبل أن يذهب نحو امتهان الشعر وإصدار مجموعة دواوين شعرية منها «أخاف عليك فابتعدي» و «أغاني الفرات». كما صدرت له روايتان هما «دوّاس الليل» و «النار والفرقة» التي تحوّلت إلى مسلسل تلفزيوني لعبت بطولته مجموعة من نجوم الدراما السورية آنذاك! الراحل كان عضواً في اتحاد الكتّاب بالعرب، وفي اتحاد الصحافيين السوريين وقد شيّع أمس من «مستشفى ابن النفيس»، ودفن في «مقبرة نجهة» قرب دمشق، ونتيجة الظروف السائدة تتلقى عائلته العزاء عبر الاتصال والسوشال ميديا!