ليس هيّناً تلازمُ عبارات الرثاء مع أخرى تمتدح الموت لأنه أراح المُتوَفَّى! هذا ما حصل مع رحيل رينيه ديك، التي أنهى الموت آلامها ووضع حداً لمسيرة طويلة انتهت بشكل مأساوي. موت أعاد تسليط الضوء على أوضاع الفنانين/ ات الكبار، الذين يرحلون بعد أن تنهكهم ضروب الإهمال والعوز. لطالما تلازمت عبارة الألم مع مسيرة ديك، خصوصاً في الفترة الأخيرة، حين عاد اسمها إلى الضوء، لكن هذه المرة ليس من بوابة الأعمال الفنية، بل من باب العوز والشفقة. إذ واجهت أزمات صحية متتالية، تزامنت مع ضيقة مادية شديدة، تصدّرت وقتها الميديا اللبنانية، التي تذكّرت آنذاك الممثلة المخضرمة، بعدما أثارت أخبارها الصعبة تعاطف اللبنانيين. قضية رينيه ديك أعادت طرح قضية الفنانين المتروكين والمُهمَلين من قبل الدولة والنقابات المعنية، التي يبدو أن ما يهمها اليوم هو حماية الأحزاب والطوائف، ومنع إدلاء أعضائها بأي آراء سياسية، متناسيةً القضية المركزية في دعم واحتضان فنانين أمثال ديك وغيرها ممن سبقوها إلى عالم الملكوت. أمس، غادرتنا ديك، بعدما قضت سنواتها الأخيرة في دار للمسنّين، متروكة لمصيرها، كما حال كبار الفنانين والفنانات، الذين قضوا أيامهم الأخيرة في المستشفيات. قُتلوا بشكل عمدي من قبل الجهات المعنية برعايتهم، بعدما تخلّت عنهم، عدا إقصائهم عن الشاشة، لمصلحة وجوه جديدة، وإنقاص أجورهم بشكل لافت، في حال «حالفهم» الحظ ليشاركوا في أعمال فنية. مع انطفاء ديك بهذه الطريقة المأساوية، نستذكر وجوهاً أخرى، سارت على الدرب عينه، وتلازمت معها المعاناة والمرض وغياب الدعم. كلنا نذكر ما حصل مع الممثل المخضرم كمال حلو (1939-2010)، الذي قضى على أبواب أحد مستشفيات بيروت بعدما رفض استقباله من دون استيفاء تكاليف العلاج، والممثلة الراحلة ليلى كرم (1973-2008)، التي وصلت إلى حافة العوز، واستنزفتها أثمان العلاج الباهظ في المستشفى بعدما اضطرت للبقاء هناك بسبب حالتها الصحية المتدهورة. ومن منا ينسى معاناة الممثلة الراحلة أميليا أبي صالح (1946-2014)، التي قضت أيضاً في المستشفى وحيدة بدون أن يسأل عنها أحد من المعنيين، فيما فواتير علاجها تُثقل كاهل عائلتها. أسماء ووجوه أسهمت في صناعة المرحلة الذهبية للدراما التلفزيونية اللبنانية، إذ بها تنطفئ بشكل تراجيدي بعدما أجهزت عليها النقابات وإهمال الدولة.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا