افتتح أمس السبت «أسبوع المسرح التونسي» في العاصمة التونسية بعد توقّف استمر 30 عاماً. إذ كانت آخر دورة للأسبوع الذي ينظّم في ذكرى خطاب الزعيم الحبيب بورقيبة (1903-2000) حول المسرح ودوره في بلورة التوجهات الكبرى للدولة الفتية وقتها (بعد ست سنوات من استقلال البلاد )في 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 1962. وكان هذا الأسبوع ينظّم كل عام في كل محافظات البلاد. وعندما تأسست «أيّام قرطاج المسرحية» في 1983، تحوّل تنظيم المهرجان بالتداول مع «قرطاج المسرحية» مرة كل عامين.وبعد صعود الجنرال زين العابدين بن علي بثلاث سنوات فقط، تم الغاء هذا الاحتفال المسرحي الكبير الذي تحتفي فيه الدولة بالمسرح والمسرحيين، استحضاراً لذكرى خطاب الزعيم بورقيبة لتزامن هذا الحدث مع ذكرى صعود بن علي للحكم من جهة، ومن جهة أخرى لأنه يذكّر التونسيين بـ «المجاهد الأكبر» كما كان يسمّى في الوقت الذي يسعى فيه الجنرال بن علي إلى بناء سردية جديدة.
عودة الأسبوع خطوة مهمة في المصالحة مع الذاكرة الثقافية وفي فسح المجال لجيل جديد من المسرحيين. إلا أنّها ستكون منقوصة، إذ أن عدد الجمهور سيكون محدوداً بسبب وباء كوفيد 19 لكن سيتم تعويض نقص الجمهور ببث حي مباشر على الصفحة الخاصة بالمهرجان على شبكة الفايسبوك بتقنية ستريمينغ.
ستة وعشرون عملاً مسرحياً معظمها بإمضاء الجيل الجديد من المسرحيين من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي في تونس والمعهد العالي للموسيقى والمسرح في الكاف وأحدى عشرة مسرحية موجّهة للأطفال والناشئة مع خمس مسرحيات للهواة وعرض في مسرح الشارع.
الاعمال المسرحية التي تم اختيارها حصيلة ثلاث سنوات من الانتاج ومعظمها مستلهم من الواقع اليومي للتونسيين خلال عشر سنوات من «ثورة الحرية والكرامة» بكل إخفاقاتها وما أسّست له من واقع جديد في حياة التونسيين من «الحرقة» إلى الارهاب والاسلام السياسي. ولم تخلو قائمة الأعمال المسرحية المختارة من بعض الأعمال التي تحيلنا على الريبرتوار المسرحي مثل «دون كيشوت» الذي يحضر في مقاربتين لكل من الشاذلي العرفاوي ومعز العاشوري و«منطق الطير» لفريد الدين العطار لنوفل عزارة (انتاج «التياترو» بإدارة الراحلة زينب فرحات) وهو عمل مرجعي تناوله عدد كبير من المسرحيين في العالم العربي.
الملاحظة البارزة هي غياب المسرحيين الذين صنعوا ربيع المسرح التونسي في أوروبا والعالم العربي مثل الفاضل الجعايبي، ومحمد ادريس، وفاضل الجزيري، وتوفيق الجبالي ونورالدين الورغي، وهو ما يؤشر إلى تحوّل كبير في المشهد المسرحي في تونس. فالكبار أمثال منصف السويسي، وعزالدين قنون، ورجاء بن عمّار، وعبدالمجيد الأكحل، وجميل الجودي رحلوا وغابت إيقاعاتهم عن الركح أو صمتوا مثل محمد ادريس، والبشير الدريسي، وتوفيق الجبالي وفاضل الجزيري .
«أسبوع المسرح التونسي» الذي يتواصل حتى 29 من الشهر الجاري، يفتقد وجوهاً كثيرة غيبها الموت وآخرهم زينب فرحات، ويفتقد الجمهور وحرارة اللقاءات وحميميتها. لكن عودته تبقى أفضل من لاشيء في وضع سياسي متوتر وانهيار أقتصادي وأزمة أجتماعية غير مسبوقة.