مسرحية «قصر السعادة» لنزار السعيدي من الأعمال المسرحية اللافتة التي شهدها المسرح التونسي خلال العامين الأخيرين. فقد أنتجت المسرحية أواخر 2019 وعرضت للمرة الأولى في «أيام قرطاج المسرحية» ولكن عروضها أصطدمت بالحصار الذي فرضه فيروس كوفيد 19 على العروض المسرحية. وقد شكّل عرضها أول من أمس الثلاثاء ضمن «أسبوع المسرح التونسي» فرصة لعديد المهتمين بالشأن المسرحي لاكتشاف هذا العمل الذي وقّعه المسرحي الشاب من مدينة قفصة (جنوب غرب) نزار السعيدي الذي راهن عليه المسرح الوطني لإنتاج عمل مشترك معه. تحفر المسرحية في واقع المجتمع التونسي من خلال مؤسستين: مؤسسة الأسرة ومؤسسة التعليم. وتبدأ حكاية المسرحية من أستاذة علم اجتماع (انتصار العيساوي) في صدد إعداد بحث ميداني حول ظاهرة الادمان على المخدرات. هذا البحث يقودها إلى اكتشاف قارة من الأوجاع تسكن المجتمع التونسي. شخصيات تعيش بيننا ولا نراها. مجتمع آخر غير الذي يظهر في الصورة. تتوطد علاقة الباحثة مع الشخصيات المدمنة من الشاب «شبيب» (علاء الدين شويرف) إلى العجوز (آمال الكراي) فكلاهما سقط في عالم الوهم والمخدرات ولكن الطريق التي قادت كلاً منهما مختلفة، إلا أن النتيجة واحدة.
تفكك المسرحية واقع الاخفاق التربوي وفشل السياسة التعليمية من المدرسة إلى الجامعة. إذ تنتشر تجارة المخدرات بين التلاميذ والطلبة والدعارة بسبب الفقر والحلم بـ «السعادة» هروباً من عالم «الوجيعة» وهي الكلمة التي تتردد كثيراً في المسرحية التي تفضح عالم الفقراء والمقصيين والعنف الذي يسم العلاقات في المجتمع التونسي من الفقراء إلى الأثرياء.
المسرحية التي تمتد على مدى ساعتين تقريباً، برع فيها الممثلون في أداء أدوار فيها الكثير من الجهد النفسي والبدني، وخاصة أدوار المدمنين. إذ تألقت آمال الكراي في أداء دور العجوز المدمنة. أداؤها ذكرنا بسيدتي المسرح التونسي الراحلة رجاء بن عمار وجليلة بكار .قدرة عجيبة على أداء دور مركب لعجوز مدمنة تستحضر أيامها وأوجاعها وهي تسقط في بئر من الوجيعة والآلام حيث يغرق الجسد في الأدمان وتذبل الروح في متاهة البحث عن السعادة.
كانت المسرحية أيضاً اكتشافاً للمسرحي الشاب علاء الدين شويرف في دورالشاب المدمن مع الممثلين انتصار العيساوي وجمال ساسي وحمودة بن حسين وفاطمة عبادة.
وفي الحقيقة، هذه المسرحية في وجه من وجوهها مرثية للمجتمع التونسي الذي لم يعرف أزمة متداخلة ومركبة كالتي يعيشها منذ عشر سنوات. فقد ازداد المجتمع تفككا من الأسرة (قضايا الطلاق والعنف الزوجي والقتل) إلى المدرسة (الانقطاع المبكر المخدرات). نجح نزار السعيدي في دق ناقوس الخطر والتنبيه إلى ما نغرق فيه وهذه المهمة الخالدة للمسرح.
ومن جهة أخرى، تبدو في المسرحية حالة من التماهي الواضح مع تجربة فاضل الجعايبي وجليلة بكار وهي حالة طبيعية. إذ أثر فاضل الجعايبي من خلال «مجموعة المسرح الجديد» في أجيال من المسرحيين التونسيين، لكن هذا لا ينقص من أهمية المنجز المسرحي لنزار السعيدي كمسرحي شاب بدأ يشق طريقه بثبات وأصرار.
ولم يؤثر غياب الجمهور في إطار البروتوكول الصحي على حرارة العرض الذي تابعه الجمهور هذه المرة عن بعد عبر تقنية «ستريمينغ» التي تم اعتمادها في «أسبوع المسرح التونسي» العائد بعد غياب طويل.