قبل أربع سنوات وتحديداً في ربيع 2017، رحلت رجاء بن عمار إحدى سيدات المسرح التونسي الرائعات بعد عملية جراحية في القلب طالما أجلتها. رحلت مخلّفةً فراغاً كبيراً ووحشة في فضاء «مدار» في ضاحية قرطاج شمال العاصمة الذي ناضلت حوالي ثلاثين عاماً من أجل أن يبقى مفتوحاً. وفي العام الماضي، رحل الكريغرافي نجيب خلف الله الذي شاركها أعمالاً عدة. منصف الصايم رفيق درب رجاء بن عمار، لم يجد طريقة لتخليدها إلا بإنتاج عمل يحمل عنوان «آخر فرصة… الأمل». في العنوان إحالة إلى أول عمل قدّمه الثنائي منصف الصايم ورجاء بن عمار سنة 1986 بعنوان «الأمل»، أحبّ الأعمال على قلب رجاء بن عمار. منذ بداية الثمانينات، التقى الثنائي منصف الصايم ورجاء بن عمار ليؤسساً «مسرح فو». وكانت باكورة أعمالهما «الأمل». ثم تتالت الأعمال منها: «ساكن في حي السيدة»، و«بياع الهوى»، و«وراء السكة» وغيرها. كان الرقص المسرحي هو ركيزة كل أعمال رجاء بن عمار التي لم تكن ترى المسرح خارج جسد الممثل، فهو قلب اللعب الدرامي.
«آخر فرصة… الأمل» الذي قدم مساء السبت في فضاء «مدار» صممه كوريغرافياً عماد جمعة. عمل حزين نرى فيه منصف الصايم ونسمع فيه نشيجه على الركح الذي جمعه طيلة سنين مع رفيقة دربه رجاء لكن بدونها هذه المرة… يتحول العمل إلى رحلة بحث عن رجاء التي تسكن روحها كل زوايا «مدار» الذي أقفر من خطاها وصوتها وهي التي كانت سيدة المكان.
عمل حزين أستحضر فيه منصف الصايم روح رجاء وقدرتها على مقاومة الألم وبيروقراطية الادارة من أجل الحفاظ على فضاء «مدار» مفتوح الأبواب ليحتضن عشرات الراقصين والممثلين الشبان الذين غيّر «مدار قرطاج» مسارهم الحياتي من أبناء المناطق الشعبية المجاورة الذين احتضنتهم رجاء بن عمار.
«آخر فرصة… الأمل» جسده مع منصف الصايم كل من: هشام شبلي وهدى الرياحي وملاك زوايدي ومروان الروين ومريم صياح ومحمد ضياء الغربي. وقد تم اختياره لأفتتاح النسخة الثالثة من «أيام قرطاج الكوريغرافية» ضمن محور التكريمات التي تشمل غائبة أخرى هي زينب فرحات.
يرتفع في ختام عرض «آخر فرصة… الأمل» صوت فيروز منشداً «طريق النحل» وهي الأغنية التي كانت رجاء بن عمار لا تملّ من سماعها. كأن رجاء كانت حاضرة في خفايا هذا العمل الأول الذي ينجزه منصف الصايم في غيابها. كانت حاضرة في غيابها، ولكن هل يمكن لمن كان له إيقاع رجاء وخفة روحها وشغفها بالخشبة والرقص كأنها فراشة أن يرحل؟