سأرحلُ في قطارِ الفجرِ‎شَعري يموجُ، وريشُ قُبَّعَتي رقيقُ
‎تناديني السماءُ لها بُروقٌ
‎ويدفعُني السبيلُ بهِ عُروقُ
‎سأرحلُ ...
‎إنّ مُقتبَلِي الطريقُ.
غيبّ الموت اليوم سعدي يوسف (١٩٣٤-٢٠٢١) بعد صراع مع المرض في لندن، ليرحل «الأخضر بن يوسف» والشيوعي الأخير والسندباد المولود في أبي الخصيب (البصرة) في العراق والذي كانت له إقامات في أكثر من موطن: العراق، الكويت، سوريا، لبنان، الجزائر، عدن، قبرص والمملكة المتحدة، حاملاً صليب الوطن ومتبعاً جلجلة المنفى، وتاركاً اسهاماته الكبيرة في الثقافة والشعر والترجمة، ليعد هو وبدر شاكر السياب ومظفر النواب أحفاداً للمتنبي في «أرض السواد» المصبوغة بالحزن المراثي والشجن. ما بين مجموعته الأولى (القرصان/١٩٥٢، مطبعة البصري بغداد)، والأخيرة (في البراري حيث البرق/٢٠١٠، منشورات الجمل، بيروت، بغداد) ترك سعدي يوسف بصمته الشعرية في أكثر من ٤٠ مجموعة نتذكر منها «أغنيات ليست للآخرين» و«كيف كتب الأخضر بن يوسف قصيدته الجديدة» و«مريم تأتي» و«جنة المنسيات» و«الشيوعي الأخير يدخل الجنة». نقل سعدي يوسف الى العربية قصائد استهوتها ذائقته الشعرية من والت ويتمان، ولوركا، وأكليف، وفاسكو بوبا، وكافافي وأونغاريتي، وفلاديمير هولان وغيرهم، بلغته السائلة والأنيقة. كانت لسعدي يوسف سجالات كثيرة حول الوضع العربي المعقد ولا سيما في بلده العراق المحكوم بثالثوث الاستبداد-الاحتلال-الفساد الطائفي، إلا أن سعدي تمسك حتى الرمق الأخير بحلمه ببلاد عربية علمانية وحرّة من الاحتلال (لا سيما الأميركي والصهيوني) لا تطرد الشعراء الى المنافي أو تقتلهم في السجون، وبالقضايا الانسانية العادلة التي لم يساوم فيها «الأخضر بن يوسف» قيد أنملة و ببوصلته التي تشير إلى فلسطين التي عشقها وشارك فدائييها الطعام في الفاكهاني وحي السلم أثناء الاجتياح:
كانوا أربعةً في حيّ السلَّم
قنّاصي دبّاباتٍ ورواةَ قصائدْ
كانوا عشّــاقاً لفلسطينَ رفاقاً في بغدادَ
وأمسَوا أشجاراً في حيّ السلّـم
أربعةً كانوا في حيّ السلّم