في سياق البرنامج الموسيقيّ «إثنو لبنان» (Ethno Lebanon)، وبدعوة من «جوناس موزيكال في لبنان» (Jeunesses Musicales du Liban)، وبالتّعاون مع كلّ من «بيت الموسيقى» في «جمعيّة النجدة الشعبيّة اللبنانيّة»، وجمعيّة «ديليا للفنون» (Delia Art Foudation)، وتحت رعاية كلّ من مديريّة الآثار في وزارة الثّقافة اللبنانيّة والمجلس الثقافي البريطانيّ في لبنان، تمّ إطلاق موشّح «أقول وقد ناحت» من ألحان هيّاف ياسين وشعر أبو فراس الحمدانيّ في قلعة جبيل الأثريّة في مناسبة عيد الموسيقى العالميّ . وقد تمّ توقيع هذا العمل الموسيقيّ المتقن بحنجرة المطربة رفقا رزق صاحبة الصّوت الشجيّ والخامة الدافئة، وبريشة العوّاد الأصيل كريستو العلماويّ، وبنفحات خلّابة من ناي سهيل زيتوني، وبعزف كمانٍ مرهف لرمزي قندلفت، مع نقرات رِقٍّ موزونة بأنامل ناجي العريضيّ. وقد قام هيّاف ياسين بقيادة هذه الفرقة بكثير من السلاسة والانسيابيّة، عازفاً معها على سنطوره السّاحر. ومن المهمّ القول أبنّ هذا العمل، يأتي كفاتحةٍ لإنتاج موسيقيّ متكامل في طور الإنجاز، يحمل عنوان «قَرنٌ من الموسيقى في لبنان الكبير» (A Century Of Music In Greater Lebanon). ويشارك في هذا العمل قرابة الأربعين موسيقياً شاباً محلياً وعشرين آخرين من باقي العالم، يعبّرون فيه عن موقّف ثقافيّ متقدّم، يتمثّل في تبنّي نهج الأصالة الموسيقيّة والانطلاق نحو الابتكار وتجديد الألحان من داخل المنظومة الموسيقيّة الثقافيّة. ويقدّمون في الوقت عينه تحيّة موسيقيّة مرموقة، إلى أسماء ساهمت في بناء التّقاليد الموسيقيّة الحيّة والحقيقيّة في لبنان، أمثال: فرج الله بيضا ويوسف تاج وحسيبة موشي ومحيي الدّين بعيون والكثيرين غيرهم...
الإدارة التنفيذيّة لهذا المشروع لجويل خيّاط، والإدارة الفنيّة والموسيقيّة لهيّاف ياسين، والتّسجيل الصّوتيّ والميكساج والماسترينغ للمهندسين إلياس أبو نقوّل ويوسف سيّوف ووائل نعيم، أمّا التّصوير والمونتاج فهو بإشراف كريم جميّل. ونظراً إلى أهمية قالب «الموشح» في تاريخ الموسيقى العربيّة المغنّاة، لا بدّ من تحليل سريع لموشح هيّاف هذا الّذي تمّ توقيعه على نبضٍ إيقاعيّ عشريّ (وهو السّماعي الثّقيل) ثمّ يتغيّر إلى آخر ثنائيّ (الوحدة) ليعود إلى الإيقاع الأوّل. فهو إذ يبدأ بمقام الحسيني، مع ركزة على الجهاركاه، ثمّ القفلة على مقام البيّاتيّ، هذا بالنسبة للّحن الدّورَين الأوّلَين. ثمّ تأتي الخانة، التي تبدأ بلازمة العواذل من مقام الصبا، ويتمّ إبراز كلا المقامَين الصبا والبستنه كار بقوّة، والقفلة فيها تركيز على مقام العرضبار ثمّ استرجاع لمقام البيّاتيّ في القفلة النهائيّة. ننتظر من هؤلاء الرّواد أن يمدّهم المولى بالشجاعة والمثابرة لإتمام حلقات هذا المسعى المذكور أعلاه وسط هذا الهبوط الفنيّ وغياب المسؤوليّة الرسميّة التربويّة والفنيّة، ليكونوا مثالاً ونموذجاً لروح الإصرار على الإبداع بروح الأصالة التي تُعرف مناهلها ومسؤوليّاتها!