النداء الذي أطلقه محمود شاهين (1946) على صفحته في الفيسبوك، منذ أيام، يدعو للألم حقاً «لا تتفاجأوا إذا ما سمعتم أنني انتحرت! أكيد الانتحار أفضل من المذلة»! كان الروائي والقصاص الفلسطيني قد شكا سوء أحواله أكثر من مرّة، نظراً لتجاهل السلطة الفلسطينية حقوقه باعتباره كاتباً، ومقاتلاً سابقاً في حركة فتح، إذ لم يتمكّن من الحصول على مخصص شهري على غرار مئات الكتّاب الفلسطينيين، يحميه من العوز. هكذا وجد صاحب «الهجرة إلى الجحيم» نفسه وحيداً في عمّان التي لجأ إليها إثر مغادرة دمشق بعد اشتعال الحرب في البلاد. كأن حياة هذا الكاتب سلسلة من الاقتلاعات والمنافي، من القدس، بعد حرب 67، ثم من عمّان إلى دمشق، وبالعكس. في دمشق الثمانينات، فاجأ محمود شاهين الوسط الأدبي بمهارته السردية كقصّاص من طرازٍ خاص، مستعيداً بيئته البدوية في القدس، وطفولته كراعٍ للأغنام. وإذا بمجموعته القصصية الأولى «نار البراءة» (1979) تلقى اهتماماً نقدياً لافتاً، قبل أن يتبعها بـ «الخطّار»، ورواية «الأرض الحرام». كان بيته المؤلف من غرفة خشبية صغيرة في أحد أزقة حي الصالحية ملتقى للمثقفين، قبل أن يُهدم الحي، لتعوضه البلدية ببيت في حي الزاهرة. اضطر صاحب «تحوّلات الألوهة من الأنوثة إلى الذكورة» لاحقاً إلى العمل كرسّام. اتخذ موقعه على رصيف مقهى النوفرة الدمشقي مع مجموعة من اللوحات المائية التي تستعيد روح الأساطير الفلسطينية والمنمنمات الإسلامية القديمة، مما لفت بعض السياح الأجانب إلى رسوماته واقتنائها، قبل أن يجول بها في أكثر من عاصمة أوروبية. اليوم أعلن أنه في صدد بيع منزله ومقتنياته في دمشق في المزاد العلني، بعدما فقد الأمل من استجابة المؤسسات الفلسطينية لإنقاذه من الإفلاس، وعدم قدرته على دفع أجار المنزل في عمّان. ولكن هل هناك من يحارب صاحب «عديقي اليهودي» كنوع من العقاب على اقتحامه مناطق فكرية ودينية ملغومة؟ ذلك أن هذا الكاتب المشاغب قد دأب منذ سنوات على طرح أسئلة مربكة تتعلّق بـ «قصة الخلق»، و«هيكل سليمان بين الحقيقة والخيال الأدبي»، وتالياً هل تمّ تصنيفه في قائمة «غير المرغوب فيه»؟مرّة أخرى، ماذا لو انتحر محمود شاهين فعلاً؟ سوف تهطل المراثي في الفضاء الأزرق مثل غيوم الصيف، ثم تتبخّر بسرعة، كأن شيئاً لم يحدث. النخوة البدوية التي تطالب بها يا صديقنا محمود شاهين، لقد شطبوها من القاموس، وانحدرت القيم إلى القاع!