انطلاقاً من تعدّد الخيارات الفنية، للتعبير عن الذات الإنسانية، وتأثير الكوارث عليها، تعمل المديرة الفنيّة والتنفيذيّة لمسرح «غولد ثريد» سحر عساف، على تقديم قراءة مسرحية، تحكي ما حدث في الرابع من آب، يوم كانت شاهدة على أحد أكبر الانفجارات غير النووية، في تاريخ البشرية، في مرفأ بيروت. أول ما يتبادر إلى الذهن. في 3 آب، يقيم مسرح «غولدن ثريد» في أميركا، بالتعاون مع «مسرح المدينة» في بيروت، و«المفكرة القانونية»، قراءة مسرحية افتراضية على تطبيق «زوم» الإلكتروني، تحت عنوان «من قلب بيروت»، تليها طاولة نقاش، تشارك فيها إلى جانب عساف، المديرة الفنية لـ «مسرح المدينة» نضال الأشقر، والمعالجة الدرامية زينة دكاش، والمحامية غيدا فرنجية، كما تشارك فيها الفنانة تانيا الخوري، والموسيقي حامد سنو. وستكون متاحة للجمهور باللغتين الإنكليزية والعربية. القراءة المسرحية، هي العمل الأول الذي تقيمه عساف، بعدما تولّت إدارة «غولدن ثريد»، وهو مسرح أميركي يقع مقرّه في سان فرانسيسكو، تأسس عام 1996، ويُعدّ من أوائل المسارح الأميركية، التي تهتم بشؤون المسرح الشرق أوسطي.

ما يسعى القيّمون على «من قلب بيروت» القيام به، هو إبقاء ذكرى الانفجار حيّة في ضمائر الناس، واستحضار كلّ ما رافقها من أوجاع وصدمات وجروح. الأهمّ من كل ذلك، هو المحافظة على الذاكرة الجماعية لانفجار 4 آب. لا تخفي عساف خوفها، من محاولات السلطة، لجعل ذكرى الانفجار في عداد النسيان. لذلك تأتي القراءة المسرحية بوجه السلطة التي تعمل بكل أجهزتها على محو ذكرى الانفجار بشتى الطرق.
إنّ الدور الذي يلعبه الفنانون في هذه المرحلة، هو الإضاءة على مثل هذه الأحداث، من خلال إعطاء صوت للضحايا والمتضررين. كما يتركز العمل الدرامي على كيفية تحقيق العدالة. لذا تتعدد مهام المشاركين في «من قلب بيروت»، فالمعالِجة الدرامية زينة دكاش، ستحاول تشريح وتفنيد الواقع الإنساني، وسبل التعاطي مع الانفجار والتروما الجماعية التي سبّبها. أما عساف وسنو والخوري فسيحاولون البحث عن دور الفن في تحقيق جزء صغير من الشفاء، ومساعدة أهالي الشهداء ومساندتهم للوصول إلى العدالة. تأتي مشاركة المحامية غيدا فرنجية في الحوار، لتعزيز ما يصبو إليه العمل. تقوم بعملية شرح للمشاركين، بعد الاستماع إلى التجارب الحية، عن أنواع الأضرار القابلة للتعويض. فمن الممكن أن تكون الأضرار عاطفية، كفقدان شخص عزيز. في هذه الحالة مثلاً يحقّ لكل شخص تربطه بالضحية صلة قرابة شرعية، أن يطالب بالتعويض عن الضرر العاطفي الذي لحق به. كما أنه يمكن للأضرار أن تكون ذات طابع مادي، كفقدان العائلة لمعيلها. يغوص القانون في تشريح أشكال التعويضات، ومبدأ عدالتها.
من خلال ذلك، نستحضر تجربة المسرحي الألماني إروين بيسكاتور، الذي حاول جاهداً حث الجماهير على القيام بدورها الإصلاحي، من خلال تقديم الحقائق أمام الجماهير لا بهدف التسلية فقط، وإنما ليتخذوا موقفاً سياسياً إزاء المواضيع العامة، من خلال تقديم الحقائق والوثائق والشهادات الحية في الأعمال المسرحية. «من قلب بيروت» تنطلق من أهمية عدم تقديم التنازلات، وعدم السكوت على الظلم والاضطهاد، ما يمهّد أرضية النقاش حول تداعيات الانفجار على المستوى النفسي والقانوني والفني، فتأتي القراءة المسرحية عبر تقنية البث المباشر مدعّمة باتجاهات مختلفة.
في الشكل المسرحي، يتم تقديم «من قلب بيروت» بتنسيق هجين خاص، لشهادات أشخاص عاشوا انفجار الرابع من آب. شهدوا هول الواقعة، وما خلّفته من خسارة الأرواح ودمار في التراث والتاريخ، وما سببته من أذى معنويّ وجسديّ. يتم تقديم التجارب والشهادات الحية بقراءة درامية يتولاها عدد من الممثلين. تقول عساف في هذا الإطار، إنه مهما حاولنا أن نجسّد الوجع من خلال المسرح لا يمكن الوصول إلى محاكاة الأذى الذي عاشه الناس فعلياً على أرض الواقع. لذلك فإنّ دور المسرح، بحسب عساف، في هذه المرحلة، هو أن يكون شاهداً، ويخلق مساحةً، نتذكر فيها الحدث ونوثّقه، ما يحقّق جزءاً من الدور الذي لا بدّ للفنانين من لعبه، لوضع حجر أساس، في رحلة الشفاء الجماعي الطويلة. على أمل أن يتحقق القصاص.
من المعروف، أن محاسبة المسؤولين عن الانفجار ليس بالأمر السهل، «لكن المحاولة مفيدة في مثل هذه اللحظات» تقول الممثلة المسرحية القديرة نضال الأشقر. طوال مسيرتها المسرحية، شهدت الأشقر فجائع المدينة. لكن أثر انفجار 4 آب لا يضاهي أي كارثة حلّت من قبل. «كأنّ قدر اللبنانيين الذي عايشوا الحروب الكبرى والصغرى، مقرون بعدم معرفة مرتكبي الجرائم ومحاسبتهم. لكن، علينا المحاولة». تنطلق مشاركة الأشقر وفق رؤيتها بضرورة تذكير الناس بما حصل، ودعوتهم إلى عدم غضّ الطرف عن محاسبة المجرمين.
على مدى 90 دقيقة، سيكون الجمهور مع شهادات حيّة موجعة. يقصّ فيها الممثلون لحظات الموت والفراق التي عاشها المتضرّرون في الرابع من آب. أكثر من 200 ضحية سيكون طيفهم حاضراً، لتعزيز الوعي الثقافي والفني والسياسي للجماهير. يحرص الفنانون المشاركون على إقامتها، لما لها من تأثير على السلطة السياسية، إذ تشكل القراءة المسرحية أداة ضاغطة بوجهها، ما يجعل الأعمال الفنية مساحة لإعادة التأمل والانتصار للضحايا.

«من قلب بيروت»: 21:00 مساء الثلاثاء 3 آب على «زوم»