زوجتي الحبيبة،تحية طيبة وبعد
أبعث إليك برسالتي هذه إلى مهجرك القسري في القرية، بعد استفحال انقطاع الكهرباء والانترنت وتعذر الاتصال الهاتفي، هل أبدو رومنسيّاً وأنا أكتب لك رسالة ورقيّة على ضوء الشمعة بعيد منتصف الليل، جالساً على الأرضيّة بين غرفة الجلوس والشرفة؟
كلما فكرت في لقائك، أشعر أن المسافة باتت تمثل المستحيل متجسداً بطوابير جهنم أمام محطات البنزين وأسعار مواصلات بلغت أرقاماً قياسيّة، وأنا على حالي، بينما دخلي انتقل منذ مدّة طويلة من المحدودية إلى العدم. مع يقيني أننا بحاجة إلى جهود الجميع في مواجهة هذه الأزمة!
لا أدري من أين أبدأ حديثي، لكني في مواجهة كل الظروف التي تحيط بنا، لا زلت مؤمناً أن الدولار يوم الإثنين سيكون بـ 3200 رغم كل الاستهزاء الذي أتعرض له من زملائي.. فيما لا أُغفل الاستعداد لمواجهة رفع الدعم الكلّي، متمسكاً بمقتنياتٍ من زمن البعزقة، هل تذكرين ذلك الزمن؟.. لا زال لديّ بعض شفرات الحلاقة الصدئة وبطاريات من النوعيّة الرديئة، وغالون مياه فارغ سعة 9 ليترات لا يزال على نقاوته لم يتلوث بالبنزين، اشتريتها جميعها عندما كانت الحكومة تدعم المكسرات ومبيض القهوة والسلع الـ300 الضرورية لحياة المواطن في لبنان الاستثنائي! وألومك بشدة لأنك منعتني من شراء علب التونا تلك وربطات المعكرونة الـ 3، ووصمتني بالمحتكر! لكني.. أحبك..
أقسم لك بكل تعاميم المصرف المركزي وقوانين الشراء والإثراء وكتاب الإبراء، بالحقائب السيادية والخدماتية وتلك المنزوعة الحقائب... والنواب والوزراء، والفصل بين النيابة والوزارة، ونادي رؤساء الحكومات السابقين، أقسم لك بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والقضاء المستقل والتحقيق الجدّي والمهني والسريع وحقوق جميع الطوائف والثلث المعطّل والانتخابات النيابية وحريّة الإعلام وقانون الانتخاب وكوتا نواب الاغتراب وإن كان لم يحسم بعد التوزيع الطائفي بشكل نهائي. أقسم لك بكل ذلك...أني أحبك!
أحبك قبل ضريبة الواتساب وانهيار الليرة أحبك قبل انفجار المرفأ وبعده.. وقبل وصول سفينة الموت والنيترات وجوقة المحللين وعهر الإعلاميين ودعوات الحياد وحرب محطات الوقود الأولى والثانية والثالثة... وبعدها..
أحبك قبل السيطرة على محولات الكهرباء، وبعدها، قبل سرقة الكابلات وبعدها، قبل انقطاع المازوت، وحرب الصهاريج، وقطع الطرقات وإحراق الدواليب... وبعدها..
أحبك قبل رفع الدعم... وسأحبك بعد رفع الدعم، قبل انقطاع الخبز وبعده، قبل احتكار الدواء بأسعاره كافة على الـ 3900 والـ 12500 وبعد انقطاعها ورفع الدعم الكلي عنها..
أحبك قبل تخزين البنزين والمازوت وبعد اكتشافها وتوزيعها، أحبك أكثر من احتياطي إبراهيم صقر... ومستودعات حليب الأطفال والأدوية المزمنة والمستعصية.. أحبك قبل الفوضى الشاملة وبعدها.. إذا بقيتُ بعدها..
وأشتاق إليك... كثيراً.. أكثر من اشتياق السيارة للبنزين والمحظوظين لتحويلات المغتربين.. والطلاب النجباء لأقساط جامعاتهم في الخارج.. وهم العالقون خلف خطوط الأزمة يعيشون أزمة صغيرة أعدتها البلاد الحبيبة لأبنائها كي لا يشعروا بالغربة. أشتاق إليك اشتياق المودع لوديعته، وشوق المصرف لسرقتها.
كيف هي الأوضاع في القرية؟ هل يصلك الخبز يا عزيزتي؟ هل يكفيك راتبي؟ هل تذكرين اللحم والدجاج؟ هل تشغلون البراد؟ هل تشعلون الغاز ؟ هل ستتشكل الحكومة؟
هل تعانين أيتها السويسرية الشرقية الجميلة؟
لا تتأخري في الرد... أحبك على سعر السوق السوداء وتحبينني على الـ 1500.. حسناً، أحبيني على الـ 3200 يوم الإثنين.