أثار كتاب «قراءة صور ماري الخازن: الجندر، الفوتوغرافيا، ولبنان الانتداب» (بلومسبوري ـــ 2021) لياسمين نشابة طعان، اهتمامي أكاديمياً، انطلاقاً من أنّني مارست هواية التصوير سنوات عديدة في ألمانيا أثناء دراستي هناك وكذلك في ما بعد ذلك، وشاركت في معارض صور أقيمت في حرم الجامعة، وكذلك في فضاء مدينة لايبتسغ مقر دراستي العليا، ضمن مجموعة التصوير في الكلية التي ضمت عدة مصورين. لكن لم يكن هناك أي مصوّرة، مع أن المرأة في ألمانيا [الشرقية] حازت مساواة مع الرجل بدرجات نساء الغرب لا يجرؤن على الحلم به. لذلك فإن نظرتي إلى المؤلف كوني مارست هواية التصوير، وكذلك طبيعة انتمائي الأكاديمي [فلسفة] قد تختلف عن تلك العائدة لقارئ يتعامل معه من منظور جندري أو نظرة الكاتبة التي تعمل أستاذة مشاركة في مادة وتاريخ التصميم في «الجامعة اللبنانية الأميركية» في بيروت. تقول المؤلفة عن دافعها لإصدار هذا العمل بأنّه نابع من «رغبة تاريخية تراوح بين الاكتشاف والاستعادة، كما الرغبة في الشروع في عملية إضفاء الطابع التاريخي وتحديد مواقع المجموعات المختلفة من الصور التي صادفَتها جميعاً، وتظهر فيها النساء يقدن السيارات ويدخن السجائر وهن يرتدين ملابس متقاطعة. أنا أقدر بشدة التحدي المتمثل في تخيل امرأة عربية تؤدي وتنتج نفسها في صورها وتستشهد بقول المؤرخة الفرنسية المتخصصة في دراسة الهوية الشعبية، والعلاقات بين الجنسين، وادعاءات السرد التاريخي آرليت فارج بأنّه «لجعل المرأة مرئية هناك حيث أهمل التاريخ رؤيتها، فإنّ ذلك يتطلّب لفتة نتيجة طبيعية: العمل على تغيير العلاقة بين الجنسين وجعل هذه العلاقة موضوعاً للتاريخ».

لذلك أتساءل ضمن هذه الدراسة عن قدرة الصورة على معالجة كيفية تشكيل مفاهيم التاريخ من خلال الطريقة التي يتعامل بها المصوّر مع فضائه وعائلته وأصدقائه، كما معالجة قرار ما يجب تضمينه وما وجب استبعاده ضمن الصور ليشكل سرداً معيناً. يمكن اعتبار الصور في هذه الحالة دليلاً موثوقاً به في مجال البحث التاريخي الذي يقدّر الموضوعية قبل أي شيء آخر. هنا إثبات أنّ الصورة توقف التفسخ وتحيي الماضي. تقول الكاتبة: «يتمثّل أحد أهداف قراءة صور ماري الخازن في وضع الأساس لمزيد من العمل على المصوِّرات العربيات، إضافة إلى توثيق أعمالهن وتحليلها. إنه مخصّص للمصورات وصانعات الصور اللواتي سيطرن على نظرة الكاميرا التي غالباً ما تم تدريبها عليهن، وعلى هذا النحو زُوّدنا نحن المشاهدين، بعدسات يمكننا من خلالها تخيّل أنفسنا».
اغتنمت ماري الخازن العضو في البورجوازية المحلية كل فرصة لاستخدام كاميرتها والتقاط قصص حول محيطها. هي لم توثق رحلاتها إلى المواقع السياحية في لبنان فحسب، بل انخرطت أيضاً في تجربة إبداعية عبر عرض المشاهد والتلاعب بالظلال وتركيب النيغاتيف لإنتاج تأثيرات مختلفة في مطبوعاتها. داخل حدود صورها يتشارك البدو والأوروبيون والفلاحون وملاك العقارات والرجال والنساء المساحة نفسها على نحو مريح، لكنها لم تكن مصورة هاوية غير مدربة. ممارسة ماري الخازن للتصوير الضوئي كانت أكثر بكثير من مجرد الضغط على زر، لأنّ للحقل والموضوعات والإعدادات والخلفية ــــ بما في ذلك قراراتها بشأن وقت التقاط الصورة والتوجيهات لإعطاء الأنموذج الذي يظهر في صورها ـــ دلائل على استثمارها في التصوير، دوماً بحسب مؤلّفة الكتاب. صحيح أنها ارتجلت في عدد من صورها واختبرت الوسيط، لكنها كانت تتحكم بدقة بسرعة الغالق. لقد درست الإضاءة وموضع أهدافها تجاه الكاميرا في حالات أخرى. تقول ياسمين نشابة طعان: «لذلك يمكن النظر إليها على أنها مصوّرة «هاو جادة»». لكنها تستدرك بالقول: «من المؤشرات الأخرى المحتملة على اهتمام ماري الخازن بالتصوير استكشافها للعديد من المواد الكيميائية، لا سيما من خلال ممارسة التحنيط. فوفقاً لأقاربها، كانت صيادةً شغوفة. إن استخدامها المواد الكيميائية مثير للاهتمام لدراستي لأنه يشير إلى أنها تعاملت مع المنتجات الكيماوية لإيقاف تحلل أجسام الحيوانات. يمكن فهم ممارسة إيقاف تحلل الكيان الحي مجازياً في ما يتعلق بالعملية الكيميائية المستخدمة لطباعة النيغاتيف: القبض على لحظة عابرة من خلال تثبيتها على الورق».
المصوّر مجهول ـ ماري الخازن تقود السيارة (زغرتا ـ حوالي عام 1920 ـ مجموعة محسن يمين ـ بإذن من «المؤسسة العربية للصورة»)

وعن أبعاد عملها، تقول الكاتبة: «يقدم هذا البحث، الذي يركز على العلاقة بين الأشكال الثقافية والسلطة، وسياسة المعرفة والتمثيل، وديناميكيات النوع الاجتماعي، ومسألة حقوق المرأة في الشرق الأوسط، أطراً مفاهيمية سأحدد من خلالها آليات الجندر والأيديولوجيا في سياق الشرق الأوسط بشكل عام ولبنان بشكل خاص. في تحليلي للصور استقيت من العلماء الذين ركزوا سابقاً على ما يسمّى بمسألة المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مطلع القرن، عندما أصبح النوع الاجتماعي قضية قوميةً مشحونة للغاية ومربوطة بطرق معقّدة بالغرب. كما ألقي نظرة على المحاولات السابقة لمعالجة الطريقة التي أصبحت بها النساء رمزاً للهوية ورؤى المجتمع، والطريقة التي شاركن بها بنشاط في النقاشات النسوية التي يتم تعريفها غالباً بطرق مختلفة عن النسوية الغربية، والنضالات الاجتماعية». وتنهي الكاتبة عرضها بالقول: «هذا المؤلف قراءتي، كوني مؤرخة فن نسوية لبنانية تعيش في بيروت، لصور ماري الخازن. أقرأ صورها من خلال عدستي الخاصة بينما أشرك حياتها وحياة النساء الأخريات في الصور خلال الانتداب في لبنان، مع حياتي. أضع هذه القراءة في محادثة مع حياة النساء العربيات الأخريات اللواتي يواجهن تحديات تأسيس أنفسهن في فضاءات غير متوافقة لكنها قابلة للتفاوض، من العلاقات بين الجنسين المتضاربة التي تتطلع إلى التغيير في وضع المرأة حتى يومنا هذا. كثير من النساء مثل ماري الخازن من حيث أننا لا نطمح إلى الاندماج في فئة ستّ البيت التي نالت استحساناً كبيراً والتي تهتم بإدارة الأعمال المنزلية وتربية الأطفال وواجبات التدبير المنزلي».
في صورها، يتشارك البدو والأوروبيون والفلاحون وملاك العقارات والرجال والنساء المساحة نفسها


تشرح الكاتبة أقسام مؤلفها بالقول: «بعد الفصل الأول (مدخل)، يركز الجزء الأول من الفصل الثاني (تصوير الرحلات وتصوير الهواة والمحليَّة) على ممارسة التصوير الفوتوغرافي للهواة خلال عشرينيات القرن الماضي في الشرق الأوسط وثلاثينياته، وأهمية أرشفة هذه الصور. يتم تحليل ممارسة الخازن للتصوير الفوتوغرافي للهواة من خلال قراءة متعمّقة لصور معينة في مجموعتها. باستخدام التحليل الدقيق لصورة بعلبك كأساس لمناقشة حول المكان داخل الصورة، يتناول الجزء الثاني من هذا الفصل كيف تعكس هوية المصوّر وربما موضوعات الصورة صورة المكان في مكان معين. يبدأ الفصل الثالث (هل وجدت في وقت مبكر مصورات إناث في الشرق الأوسط؟) بمناقشة التاريخ المبكر للتصوير الفوتوغرافي في الشرق الأوسط. يحدد الحدود والتداخل بين ممارسات التصوير الفوتوغرافي الاحترافي والهاوي بشكل عام، وعندما تؤديه النساء بشكل خاص. يدور هذا النقاش حول توثيق المصورين الأوائل في ذلك الوقت، وكثيرون منهم غير معروفين على نطاق واسع. كما يجيب الفصل عن السؤال الذي أثير في عنوان الفصل عبر تقديم مصورتين هما ماري ليدي بونفيس في بيروت (بدأت ممارسة التصوير في أواخر ستينيات القرن التاسع عشر) والفلسطينية كريمة عبود في القدس (بدأت ممارسة التصوير في أوائل العشرينات). كما أعددت لمحة عامة عن استوديو التصوير في بونفيس ومساهمة ماري ليدي بونفيس في إنشاء Maison Bonfils في بيروت». إضافة إلى ما سبق، تحلّل الكاتبة في هذا الفصل مجموعة مختارة من صور بونفيس وعبود من خلال وضعها في مواجهة بعضها، وتناقش الجانب الاستشراقي من صور الأولى. أما صور عبود الأكثر «أصالة»، فيمكن نشرها لاحقاً لمواجهة مزاعم انعدام هوية الشعب الفلسطيني. وينتهي الفصل بوضع ماري الخازن ضمن الهويات المختلفة التي كانت موجودة في المنطقة في ذلك الوقت: لبنانية وعربية ومسلمة ومسيحية وعثمانية.
الفصل الرابع (إنتاج مساحات بديلة: زعزعة استقرار الصور الثابتة لنشاط المرأة) يستكشف الطرق التي قامت بها ماري الخازن والنساء الأخريات في الصور بمصادرة سمات ذكورية، مثل احتلال مركز الصورة وارتداء ملابس مثل الرجال. تعتبر المؤلفة أنّ استخدام ماري الخازن «في هاوية/ مَزلَق» placed into abyss من المساحات الذكورية، وسيلة لتفريغ القلق بين الجنسين في ذلك الوقت.
تزعم الكاتبة في الفصل الخامس (المرأة والسياسة والصورة أثناء الانتداب الفرنسي) بأنّ جماليات الاستشراق غالباً ما يتم إنتاجها من خلال التفاعلات بين الثقافات نتيجة لزيادة التنقل وإنتاج الصور وتداولها. وقد بدا للكاتبة أن ماري الخازن ترفض فكرة نبذ التقاليد والماضي من أجل الدخول في الحداثة وتقترح بديلاً يأخذ شكل مساحة حدودية تقع بين ثقافتين منفصلتين: العثمانية والفرنسية.
تحلّل الكاتبة في الفصل السادس (الحداثة كما عبرت عنها الصور) عدداً من التمثيلات المتكررة في الصور التي تنتج الحداثة بطرق جنسانية (جندرية) والطريقة التي تتجلى بها الحداثة في الصور التي تظهر فيها التكنولوجيا والتقدم ـ المنسوبين في الغالب إلى الموضوعات الذكورية ــــ في صور النساء.

زغرتا (لبنان ـ حوالي عام 1920 ـ بإذن من «المؤسسة العربية للصورة»)

تعرض ماري الخازن في صورها صورة امرأة تسعى جاهدة لتصبح موضوعاً حضرياً من خلال دعم التطور والتقدم، لكنها تدرك تفرّد ثقافتها وضرورة الحفاظ عليها. لذلك، فإنّ تعليم المرأة وإتقانها للمعرفة والذوق الرفيع وليس ارتداءها الزي الأوروبي العصري، هو ما تم ترميزه كوسيلة لدخول الحداثة. تستدرك الكاتبة بالقول «مع الاعتراف بأن الحداثة ليست متجانسة، يمكن أن تتجلى بطرق مختلفة عند تجربتها في ثقافات مختلفة. على الرغم من أنه لا يمكن فهم الحديث على أنّه مزيج من الماضي والحاضر، والتقاليد والجدة، فإن هذه الثنائيات تشترك في المساحات التي أمسكت بها ماري الخازن في تصويرها للحداثة في طور التكوين».
في الفصل السابع والأخير (الإخفاقات الناجحة أو تجارب التصوير الفوتوغرافي لماري الخازن)، تتحقق الكاتبة من ممارسات التصوير التجريبية لماري الخازن والطرق المختلفة التي تحاول بها إدخال نفسها في الصورة، اعتماداً على مجموعة ممتدّة من العمل على فن البورتريه والظلال ومواطن الخلل في الصور.
تلخّص الخاتمة ما ينوي المؤلف المساهمة به للقرّاء حول ممارسة ماري الخازن التصوير الفوتوغرافي، من خلال تأريخ حياتها اليومية وتفاعلها مع الأصدقاء والعائلة في قرية في شمال لبنان، ما يتيح لنا فرصة تخيّل شخصية المرأة الجديدة اليوم، دوماً بحسب الكاتبة.

* Reading Marie Al-Khazen’s Photographs: Gender, Photography, Mandate Lebanon. bloomsbury (2021). extent: i-xiv, 194 pages with 53 illustrations. Yasmine Nachabe Taan