يرتدي شروده وتأمّله في خلوته. يقيس المكان حتى يكون مكانة ليتمكّن من تأبُّط أحلامه. كأنه يطلب من الوقت أن يُبطِئ فيما يتعجّل قطف الأسئلة الكبرى والقهقهة. لا يعتمر قلنسوته الشهيرة فحسب، بل أيضاً عملين فنيين يحدّثنا عنهما بحماسة وإسهاب قبل صدورهما، وتكاد بعض أفكاره التي تقع بين جُزْءي جملة أخرى تقفز كمتسابقٍ بالمظلّة! إنه المغنّي والفنان اللبناني الملتزم سامي حواط (1957) الذي تتماهى أغانيه مع نمط وأسلوب حياته.
(ميلاد لمعة)

حالما استقبلنا اليساريّ الثابت ــــ المتصوّف جزئياً على طريقته والذي يشتهي الترحال ــــ حتى بدأ رجْع صدى أغانيه يصوّت في الآذان في «فلاش باك» خاطف: «بلا ولا شي» و«عالنظام» المعروفة بين الناس بـ«غيِّرلو النظام» (الأغنيتان من تأليف زياد الرحباني)، «كيف أنسى»، «حضرتنا من الرأي العام»، «خلّصوا الأغاني» (تأليف زياد الرحباني، وغنّتها أيضاً بعد ذلك السيدة فيروز)، «نشيد التعب» وسواها. سامي حواط شعبيٌّ حتى النخاع، بسيطٌ جداً، عاشقٌ للحياة وتلألؤات الحرية والحوار، ومُقبلٌ على الفن بنهمٍ يلجمه الواقع أحياناً ويتقطّر كالماء من سقف غير مرئي. يخبرنا حصرياً عن أسطوانتيه المرتقبتين كاشفاً عن ملامحهما وتفاصيل فنية: الألبوم الأول بعنوان «مراحل» مخصّص لآلة العود ويشتمل على ثمان مقطوعات عزفية. أما الألبوم الثاني بعنوان «مالت الأيام»، فهو غنائي يحتوي أيضاً على «مقاطع» موسيقية. مركز تسجيل العملين هو استديو جواد شعبان (بيكاديللي- الطابق الأول)، علماً بأنّ شعبان من أصدقاء سامي، وقد «قرّر مع الشباب الذين يحبونني أن نسجّل العملين فيه» كما يقول صاحب «سوق الخياطين». ويضيف: «بدأ التسجيل قبل زمن كورونا ثم توقّفنا بسبب الظروف، وقريباً جداً سوف نستكمل كل ذلك. أسطوانة العود تحتاج في الاستديو حالياً إلى «الفلترة» Filtrage فقط. بعد نشر أسطوانة العود، سوف أتفرّغ للعمل الثاني من أجل إتمامه». أمّا المقامات التي استعان بها، فهي عديدة، بينها البياتي والراست والحجاز، وهو يدخل في المقامات «لاشعورياً» على حدّ تعبيره، وكل عمل له يتدثر بالارتجال. كلمات الأغاني من تأليف سامي بمعظمها، وهناك قصيدة للشاعر الراحل جورج يمين. «الأغاني تتمحور حول حياة الناس اليومية وتلامس الشق الطبقيّ وتتوشّى بالحب، وثمة منحى وجداني وإنساني بارز في أسطوانتي». يعلّم سامي حالياً طلابه العزف على العود والغناء الشرقي والصولفيج في منزله في شارع المكحول، وهو يحب أن يدرّس تلامذة وطلاباً من كل الأعمار بأسلوب زاخر بالمرونة، علماً بأنه يتّبع «الطريقة القديمة والنهج «الكلاسيكي» التقليدي الأساسي للعود في التعليم»، متجنّباً المناهج الحديثة. يفرح بتعامله مع الأجيال الجديدة، «والعلاقة بينه وبين طلابه روحانية وإنسانية» كما يؤكّد.
«الأغاني تتمحور حول حياة الناس اليومية وتلامس الشق الطبقيّ وتتوشّى بالحب» (س. ح)


عن شارع المكحول، يقول إنّ فيه كانت تُقام مهرجانات مع جورج الزعني ونبيل مجدلاني وسواهما. لذلك، يريد حواط إعادة إحياء هذا النشاط القيّم لإعادة التعريف بتاريخ شارع المكحول وهويته ضمن مهرجان فني وثقافي يتمنى أن يُقام في الربيع أو في الصيف المقبلين، ويريد التعاون مع البلدية وكل الناس في سبيل إرساء دعائمه وتحقيقه. سوف يُجلي الأمر برمّته لاحقاً كما يقول فيما يعود إلى التحدّث بتشوّقٍ عن عناوين أغانيه في الألبوم المنتظر: «برضو خود وقتك»، و«لف الضباب الجبل غطّى على الوادي»، و«مالت الأيام»، و«في لبنان ما في لبنانيّي»، معلناً عن تسع أغنيات ومحطّتين موسيقيتين.
«ينبغي الإيغال في الذات بغية استخراج الجماليات لأنّ كل فنان وكل إنسان يختزن في دواخله الكثير من الأمور و«المؤن» الحلوة التي لا بدّ من التفتيش عنها»، يُفصح حواط متابعاً حديثه: «أحترم الجيل الجديد بكل ما يقوم به وأحبّ أن أتعلّم منه وأن أعلّمه في الوقت نفسه لتحقيق التوازن ومواصلة الحياة».
الأمسية الموسيقية التي قدّمها في «أونوماتوبيا ــ الملتقى الموسيقي» (الأشرفية) في 22 أيلول (سبتمبر) أراحتْهُ كثيراً ـــ كما يقول ـــ «بوجود الشباب والصبايا، ومن فرط سرورنا معاً بأجواء الحفلة، نفكّر اليوم في تقديم نشاط فني آخر الشهر المقبل على ما أعتقد في المكان نفسه في الهواء الطلق».
صاحب «استشهادك غيفارا» (كلمات موريس نهرا) الذي برز في دور «هاني» في مسرحية «فيلم أميركي طويل» لزياد الرحباني، نغّمَ نصوصاً لعدد من الكتاب والشعراء، بينهم النائب السابق والشاعر غسان مطر (أغنية «لارا»)، خالد شرتوني، محمد العبد الله، عبيدو باشا.. وقد استظرف أداءه الجمهور خلال مشاركته إلى جانب جوزيف صقر وآخرين في أغنية «طلّي اضحكيلو يا صبية» (مسرحية «نزل السرور» لزياد الرحباني).
يعدّ سامي حواط نفسه أممياً ومشرقياً عربياً ولبنانياً في آن، وفي لبنان والعالم العربي و«المنطقة» مؤيّداً للمقاومة. «أنا أنتمي للإنسانية بأكملها»، يقول عاشق الشيخ إمام (1918 - 1995) «صوت الجماهير واليسار المصري». مرحّباً بنا على طريقته الخاصة في منزله، دندن لنا أغنية الشيخ إمام «أنا توب عن حبّك» بمرافقة عزفية عفوية جداً قبل انقطاع التيار الكهربائي. رغم ظروف لبنان السيئة راهناً، لا يزال سامي حوّاط يتظلّل بأملٍ وارف، مواصلاً رحلته الفنية والإنسانية والشخصية بتفاؤل لافت ورجاءٍ يتدفّق بدون استكانة.