القاهرة | في حي المنيل في القاهرة، أحد أعرق أحياء الطبقة الوسطى المصرية، وضع مواطن لافتة تتضمّن صورة عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي المرشّحين لرئاسة مصر في الانتخابات المقرر إجراؤها يومي 26 و27 أيار (مايو). وصف الأول بـ«قائد الثورة»، واختار للثاني لقب «ثائر»، داعياً الناس إلى الاختيار بين المرشحين من دون تجريح.
الى جوار هذه اللافتة اليتيمة، انتشرت مئات اللافتات التي تمثّل الحملة الشعبية لترشيح السيسي الذي أحدث ترشيحه انقساماً لافتاً في صفوف النخبة المصرية المثقفة. شهدت الأخيرة بدورها حراكاً نموذجياً لتبدل المواقع منذ 30 حزيران (يونيو) الماضي حتى الآن. فقد انتقل العديد من المثقفين من صفوف الجماهير المؤيدة للسيسي الى صفوف المعارضة أو المقاطعة لأسباب باتت معروفة ربما يأتي على رأسها التفاف رموز حسني مبارك ومبارك نفسه حول فكرة دعم السيسي باعتباره القائد الضرورة لهذه المرحلة. فكرة يرفضها بعض المثقفين ويرون في دعمها إحياءً لنظام مبارك الذي أسقطته «ثورة 25 يناير». غير أنّ اللافت أنّ كثيرين منهم انتقلوا من دعم حمدين صباحي الى الدعوة الى عدم التصويت له هذه المرة، لأنّه «لا يناسب المرحلة». صفحات الفايسبوك تعكس جيداً مناخات الاستقطاب بين مختلف الأطراف في مصر.

خلا لقاء
صباحي من نبرة الإرشاد التي غلبت على لغة السيسي


يعطي تعاطي الإعلام المصري مع فرص المرشحين في الفوز بموقع الرئاسة، صورةً مثاليةً للانحياز لصالح السيسي الذي تحوّل من «بطل شعبي» في نظر الغالبية المؤيدة له الى «مسيح هذا العصر» و«الحافظ الأمين». أما حمدين صباحي الذي اجتهد خلال الأيام الماضية في حشد أنصار جدد له، فيبدو أقرب ما يكون الى رمز لفكرة تنتمي إلى المستقبل وتراهن على امكان تكوين تكتل مدني يواجه ما قد تتعرض له الثورة والثوار من انتكاسات أعطت الأيام الماضية كثيراً من الشواهد التي تنقلها من خانة «الهواجس» الى خانة «التوقعات».
خلال متابعة الأيام الأولى من حملات كلا المرشحين، بدا لافتاً إهمالهما للشأن الثقافي الذي لم يأت أي منهما على ذكره خلال مختلف اللقاءات الإعلامية التي نظمت لكليهما في الفضائيات الحكومية والخاصة. غير أنّ لقاءات كل منهما مع مجموعات من المثقفين، أظهرت طبيعة التباين بين الخطابين، وفي الوقت نفسه عكست مأزق النخبة الثقافية بنتيجة ما تعانيه من انقسامات بسبب تباين مواقفها من قضايا عالقة مثل حرية الرأي والتعبير، والموقف من تيارات الاسلام السياسي على رأسها جماعة الاخوان المسلمين، إضافة الى الموقف من الجماعات السلفية التي تصطف معها في خندق دعم السيسي.
ركز السيسي لقاءاته مع بعض نجوم الكتابة والإبداع الأدبي والفني الآتين من «الهيئة المصرية العامة للكتاب» ولعب رئيس «اتحاد كتّاب مصر» محمد سلماوي دوراً رئيساً في اختيارهم في حين حرصت وزارة الثقافة على نفي صلتها بأي ترتيبات تخصّ اللقاء. وصفت مواقع التواصل الاجتماعي المشاركين في هذا اللقاء بـ«الديناصورات» في إشارة الى كبر سنّ أغلبهم أو منهجهم في «التكويش» على المناصب الحكومية وفرص الشهرة والانتشار. وكان بعضهم قد تولّى مناصب رسمية خلال حقبة مبارك مثل جابر عصفور، وبعضهم من الكتّاب الأكثر مبيعاً مثل يوسف زيدان، وأحمد مراد الذي كان أصغر المدعوين، لكنه أكثرهم تواصلاً مع جمهور القراء الشباب. كذلك حضر جمال الغيطاني، ويوسف القعيد، وأحمد عبد المعطي حجازي. الأول كان من أوائل الداعين إلى ترشّح السيسي الذي يدعمه بوضوح كاتب بقامة بهاء طاهر، وشاعر بشهرة عبد الرحمن الأبنودي. وأعطى حضور الكاتبة سلوى بكر، والناقدة فريدة النقاش مؤشراً على نمط من الاختيارات يغاير التوقعات التي تأكدت في المقابل مع حضور الشاعرة فاطمة ناعوت التي كانت من أبرز الداعمات لترشح أحمد شفيق في الانتخابات السابقة. وتقف ناعوت على رأس مجموعة من الكاتبات الداعمات للسيسي منذ نجاحه في إبعاد الاخوان عن الحكم في 3 تموز (يوليو) الماضي ومعها فريدة الشوباشي والقاضية تهاني الجبالي. وقد صدرت عن المشاركين في هذا اللقاء تصريحات تعطي صورة إيجابية للمرشح السيسي الذي وُصِف بأنّه رجل «متواضع وخجول وعقلاني، وكان متجاوباً وردوده تحتوي على جرعات عالية جداً من المصارحة والمكاشفة، وتتميّز بغياب أي محاولات للتجميل أو التزيين». وأُعلن كذلك أنّ جميع المشاركين قدموا أسئلة وطروحات شديدة الحساسية تتعلق بالوضع الراهن والخوف من عسكرة المجتمع والتناقضات الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء. وتعرّض هذا اللقاء لسخرية الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي لأنّ المشاركين تجاهلوا الحديث عن حبس الشاعر الاسكندري عمر حاذق، وهو أمر يصعب التأكد منه.
على عكس السخرية من لقاء السيسي بـ«الديناصورات»، حظي لقاء حمدين صباحي مع مثقفين قريبين من انتماءاته السياسية ونضالاته طوال 40 عاماً، بترحيب في مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تنوع أجيال المشاركين، وارتفاع نسبة تمثيل الشباب في اللقاء. من أبرز المشاركين كان وزير الثقافة الأسبق عماد ابو غازي والشاعران سيد حجاب وزين العابدين فؤاد وابراهيم عبد المجيد ومحمود الورداني ومنصورة عز الدين والناقد حاتم حافظ والشاعر أحمد حداد والممثل علي قنديل والناشر محمد هاشم والشاعر عبد المنعم رمضان. لم يكن الأخير من المؤيدين لحمدين صباحي في الانتخابات الأخيرة عام 2012، لكنه قرأ رسالة له خلال اللقاء ووصفه بـ«الرئيس». وكان لقاء حمدين قد شهد نقاشات تفصيلية حول خطط مستقبلية في التعاطي مع أمور فنية تخصّ عملية إعادة هيكلة مؤسسات وزارة الثقافة، الى جانب وسائل دعم المجتمع المدني الثقافي. وخلا اللقاء من نبرة التوجيه والارشاد التي غلبت على لغة السيسي خلال اللقاء بأنصاره.
وبعيداً عن الفروق بين اللقاءين، يبقى الجانب الأهم متعلقاً بالكيفية التي يمكن لداعمي المرشحين عبرها تجنب الانزلاق إلى خطاب فاشي يقوم على تخوين أنصار كليهما والحط من قدره، وهو أمر لن يجيب عنه سوى المستقبل.