ليست المسألة أن يحتلّ الترند مسلسل كوري، بل أن يصبح القتل والأذى ترنداً عالمياً. سيعترض المعجبون بمسلسل «لعبة الحبّار» (Squid Game) على «نتفليكس» على القائلين إنّه مجرّد مسلسل يطرح مسابقة ألعاب، صحيح أنها دموية ولكنّها مشوّقة وذكية، وتمثّل الكثير من واقع الإنسان بشكل مبطّن، فلا داعي لتضخيم الحديث عن العنف فيه، لأنّ القتل أساساً في كل مكان.المحتوى المصنف للكبار فقط (18+)، أصبح الأكثر مشاهدة عبر منصة البثّ التدفّقي الأميركية منذ طرحه الشهر الماضي، ويحتل المركز الأوّل على صعيد المشاهدة في 90 دولة وفق موقع «سي. أن. أن»، فيما يقدّم «غوغل» أكثر من 80 مليون نتيجة بمجرد كتابة Squid game في خانة البحث. يقلب العمل الدرامي أيضاً حياة أبطاله في الواقع. هكذا، أصبحت عارضة الأزياء هويون جونغ التي تلعب دور «ساي بيوك كانغ» الأكثر متابعة على إنستغرام، متفوقة بذلك على أشهر الممثلات الكوريات. كل هذه الوقائع وغيرها، تستدعي التوقّف عندها وطرح تساؤلات.
«غير مألوف، وعنيف»، كان هذا توصيف شركات الإنتاج التي رفضت العمل منذ أن كتبه مؤلفه ومخرجه هوانغ دونغ هيوك في 2008 و2009. لكن «نتفليكس» منحت الرجل الحرية في تنفيذ مشروعه قبل أن يبصر النور على شكل مسلسل مؤلف من تسع حلقات.
يحكي المسلسل قصة 456 شخص مديون، يواجهون ظروفاً اقتصادية صعبة، فيوافقون على المشاركة في لعبة تنافسية، يتبارون في مراحلها في ألعاب أطفال معروفة، ليصحل الرابح في النهاية على ما يعادل حوالي 38 مليار دولار أميركي. أما الخاسر، فبكل بساطة، يُقتل!
على الرغم من أنّ فكرة المسلسل ليست جديدة (سبق أن طُرحت في سلسلة أفلام The hunger games مثلاً حيث الرغبة بالبقاء مبرّراً للقتل، كما المتعة والربح)، إلا أن الكاتب والمخرج، يعتبر أنّه يروي «قصة الخاسرين» وأنه عبارة عن «قصة رمزية عملاقة تعبر عن المجتمع الرأسمالي في العصر الحالي وتلمح إلى القصص المتنوعة للمشاركين في اللعبة وكيف تم دفعهم إلى الزاوية بسبب المنافسة في المجتمع الحديث»، وفق ما يشير في حديث إلى «سي. أن. أن».
منذ البداية، أوضحت «نتفليكس» أنّ المسلسل يحتوي على العنف والجنس والعري والانتقام، كما أنّ الشخصيات لا تُفاجأ يتفاجىء حين يُقتل الخاسر. فهم يدركون هذا منذ الحلقة الأولى ويعودون طوعاً للمشاركة في اللعبة بدافع الثراء كحلّ وحيد وسريع لمشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية...
وربما كان هذا أكثر ما يُظهر السلوك الرأسمالي، فتُصنع كل الظروف التي توهم الإنسان بأنّ كل شيء يجري بملء إرادة الأشخاص. ولعلّ عنصر التشويق العالي، هو نقطة قوّة العمل الأهم. فالرأسمالية تلعب على التحقيق السريع لرغبات الإنسان بغض النظر عن العواقب ولأهداف الربح الأعلى للقوي الذي يدير لعبة الرهان على الضعيف. والأهم أنّها تسوّق لذلك بأكثر الطرق نعومة. فالمساحة الواسعة لقاعات الألعاب وألوانها الطفولية الهادئة المحبّبة والموسيقى التصويرية الكلاسيكية الناعمة التي ترافق بداية كل لعبة، إضافة إلى نبرة الصوت الهادئة لمذيعة التعليمات أثناء اللعب، وحديثها المليء بالتعابير اللطيفة والمهذبة، كلّها تمثّل رمزيّاً القتل بقفازات من حرير.
«هذا المكان القذر». إنّه التعبير الأصدق عن ساحة اللعب لبطل المسلسل صاحب الرقم الأخير سيونغ جي هيون (لي جونغ جاي) أثناء حواره مع الشخصية الرئيسية التي تحمل الرقم 218 تشو سانغ وو (بارك هاي سو).
إذاً، يطرح المسلسل الواقع الرأسمالي القبيح الذي لا شك أنّ كوريا الجنوبية وقعت فيه وتعيش الكثير من عواقبه، لكنّه في الوقت نفسه يشكلّ عامل جذب للناس نظراً لما فيه من قتل وأذى، ما يؤدي إلى اعتبار هذه الأفعال تبريراً وردّ فعل فطري ليس للبقاء فقط، بل للربح والثراء. كما يدفع «لعبة الحبّار» المشاهد للتعاطف مع الشخصيات الرئيسية. فيشجعها وكأنّها تخوض مباراة كرة قدم، ويحزن حين يموت أحد منها، متجاهلاً أنّها لا تختلف عن أي من اللاعبين الذين قرروا استكمال اللعبة مدركين وراضين بالنهاية الأليمة.
أفرح المسلسل متابعي الدراما الكورية (يطلق عليهم اسم «كاي-دراميين») وأثار استياءهم في الوقت نفسه. أفرحهم كونه البوابة لمعرفة حقيقية بالدراما الكورية من قبل العالم، وكأنّه جاء لينقذهم من المستهزئين الذين كانوا يحكمون على الدراما الكورية بالملل مسبقاً من دون مشاهدتها. لكنّه أغضبهم أيضاً لأنّ كثيرين باتوا يختصرون الدراما الكورية به. هكذا، أعلن الكثير من متابعيه دخولهم نادي «الكاي-دراميين» وهم لا يعرفون الممثلين أصلاً ولم يشاهدوا سوى هذا المسلسل. ويبقى السؤال هنا: هل سيبقى «لعبة الحبّار» من أهم المسلسلات التي حجزت موقعها في الدراما العالمية؟ أم أنّه ترند آني مرتبط بالاستثمار التجاري لنجاحه، وسيأتي عمل جديد يحطم رقمه القياسي كما فعل هو بما سبقه؟