كان دخولهُ الحقيقي للمشهد الأدبي ـ ولو أنه بدأ الكتابةَ والنَّشر في 1954 ـ بروايته الأولى «المفسِّرون» (1964)؛ لكنَّ الوقعَ الأكبر كان لرائعته التراجيدية: «الموتُ وسائسُ المَلِك»، التي اعتبرها النقاد المسرحيين واحداً من أهم النصوص في ذمّ جرائم الكولونيالية.
بكل هذا السجل الناصع في صوغ الجَمال احتجاجاً وفي تقريع القوى الاستعمارية، سيكون لسوينكا موقفٌ مُخْزٍ بدعمه لحركة وحرب «البْيَافْرا» الانفصالية، ما سيتسبّب له في الاعتقال بين 1967 و1969. بعد إطلاق صراحه، عاد إلى التدريس الجامعي بين كُلِّيَّتَيْ «إِبَدَانْ» وَ«إِفي»، تحديداً في شعبة الفنون الدرامية، ما أعطى دفعةً للحركة المسرحية في نيجيريا، تأليفاً وتمثيلاً.
سيتيح له هذا الإشعاع بين الطلبة والمسرحيين ذيوعاً عالمياً أتاح له السفر تلبيةً لدعوات المؤسسات الثقافيةِ، مُحاضراً ومخرِجاً لمسرحياته، وأيضاً محرّراً لمجلات ودوريات أدبية، أشهرها Transition (انتقال)
في أواسط السبعينات، أتاحت له البنية المؤسساتية التي يتوفر عليها «معهد تشرشل»، التابع لجامعة «كامبردج»، حيث كان يشتغل كأستاذ وعضو مشارِك، أن يخرج العديد من مسرحياته ومسرحيات غيره، عارضاً إياها أيضاً بين شيكاغو ونيويورك، لمرات عديدة، حتى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.
بدايةً من 1994، سيضطر للعيش في المنفى، بعدما حكمت عليه الحكومة العسكرية للديكتاتور سَانِي أَبَاشَا بالإعدام، ولن يكون بوسعه العودة إلى نيجيريا إلا بموت الطاغية في 1998. ستدفعه هذه المعاناة المتكررة من التضييق على الحريات العامة، كتجربة شخصية وكواقع لدى غالبية الكُتَّاب تحت الأنظمة التسلطية، إلى الانخراط بقوة في «البرلمان الدولي لِلكُتَّاب»، وترؤس «المنظمة الإفريقية للثقافة» في بداية 2006.
على شاكلة ماريو بارغاس يوسّا، في دخوله غمار النشاط الحزبي، يؤسس سوينكا، في أيلول (سبتمبر) 2010، «الجبهة الديمقراطية لفيدرالية الشعوب»، من أجل خوض غمار انتخابات 2011 المحلية والبرلمانية.
بعد انتخاب ترامب، احتج سوينكا على المشهد السياسي الأميركي بتمزيق الـ green card التي كانت قد منحته إياها السلطات الأميركية، علماً بأن ذلك يحرمه من الإقامة الدائمة في أميركا، حيث يشتغل أستاذاً زائراً في أكثر من معهد وكلية، ليعود ويستقر في موطنه نيجيريا، ثم أستاذاً في كلية العلوم الإنسانية في جامعة جوهانسبورغ منذ 2017.
يتميزُ أسلوبه بشلال من الصور التي تَتَخفَّى خلفها تركيبة من الأفكار، ما يعطي كتاباتِه طابعاً ذِهنياً، فوقَ ما تسرده من أحداث وما تبثُّه من مشاعر. كما استثمر بِجمالية فائقة في التراث الفولكلوري لشعوب الْيُورُوبَا التي ينتسب إليها، مضفياً عليها لمسة حداثية نابعة من تكوينه الإنكليزي، من دون أن يغفل الثيمة الأساسية لدى كُتَّاب الجنوب: صرخة الأمم في وجه النيوكولونيالية ووكلائها المحليِّين. مسرحياً تمتزج الأشكال التي يستند إليها بين فنون الفرجة الإفريقية الوثنية العريقة، والمأساة اليونانية القديمة وتقنيات الملحمية البريشتية.
عربياً، يذكَرُ لسوينكا موقفه المشرف، عندما انتدبه «نادي القلم الدولي» و«اتحاد الكُتَّاب العالمي»، مع البرتغالي ساراماغو، والفرنسي كريستيان سالمون والأميركي راَسْلْ بَانْكْسْ، لزيارة تضامنية مع محمود درويش في مكتبه في رام الله، تلتها زيارة لياسر عرفات مُحَاصَراً في المقاطَعة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
واليوم بعدما بدأ تسويق النُّسَخ الأولى من رواية سوينكا الجديدة Chronicles from the Land of the Happiest People on Earth، ارتأينا في «كلمات» أن نحتفي بها، على طريقتنا، بعد صمت الكاتب الطويل، بمقال نقدي لِبن أوكري، يستعرض الخطوط العريضة والأحداث الجوهرية للنص، مركِّزاً أيضاً على سماته الشكلية؛ تليه ترجمة للنص الافتتاحي من الرواية.
ملحوظة: صاغَ المترجِمان المساهمان في هذا الملف عنوانَ رواية سوينكا الجديدة بشكلين مختلِفين، أبقينا عليهما معاً، من دون تعديل من التحرير، احتراماً لتأويل كلٍّ منهما للنص.