يخوض أسامة غنم تجربته الأولى في التأليف المسرحي، وهو بهذا يقطع الحبل السرّي مع النصوص التي سبق أن اقتبسها في عروض لافتة، اتكأت على أعمال صموئيل بيكيت، وهارولد بنتر، وتينيسي وليامز، وسام شيبرد. على الأرجح، كان المخرج السوري المتفرّد يمهّد الطريق/ الخشبة، نحو ذائقة مختلفة، جرى التنكيل بها طويلاً بعروض معلّبة تدعو معظمها إلى التثاؤب، كأن الشارع العمومي لم تصبه الكدمات في الصميم جراء تحوّلات بصرية عميقة. في عرضه «شمس ومجد» الذي تستضيفه هذه الأيام، صالة المسرح الدائري في المعهد العالي للفنون المسرحية، بالتعاون مع «مختبر دمسق المسرحي»، تورية صريحة في تركيب العنوان، إذ سيحيل إلى نبرة تعبوية تصب في سياقات الحرب الدائرة في سوريا، لجهة الهتاف البرّاني الذي يكتفي باستثمار دلالة مفردة من طراز «شمس»، و«مجد». لكننا سنكتشف أن شمس ومجد هما شقيقتان، تعمل الأولى في بار، والثانية في كافيه. في هذا الفضاء الذي يستقطب القصص من شوارع الحياة اليومية، تتراكم سرديات البؤس، سواء بالنسبة للشقيقتين، أو ما تفرزه علاقات الآخرين على السطح، بإعادة تدوير اليومي نحو حلم لن يتحقق كما ينبغي، لصعوبة التقاطه كفضاء سردي، إذ لن تفلح «مجد» التي تعد الماجستير في علم الاجتماع في مواكبة عنف الحياة اليومية بالمقارنة مع اطروحة مفكّرها المفضّل مصطفى حجازي صاحب كتاب «سيكولوجية الإنسان المقهور»، إذ تتدفق حكايات زميلها في المقهى طارق بن زياد بما يتجاوز مقدرتها على تصنيف هذه الوقائع في خانة دراسية واضحة، إذ تبدو- بالنسبة لها- خيالية لفرط غرائبيتها، فيما تعيش «شمس» أثناء عملها في البار، مناخاً آخر، يصنعه ممثلون يترددون على المكان، بحكايات أخرى تنطوي على سحر خفي، وحلم مؤجل بالعمل كممثلة، باقتفاء سيرة «جوليا» الممثلة المشهورة، لكنها، حين تكتشف سلوكياتها المشينة عن كثب، توجه حلمها نحو ضفة أخرى، وشراكة مختلفة مع خليل صاحب ورشة للتمثيل في ضاحية جرمانا العشوائية ومحاولاته الخائبة في إيجاد ممثلة بدلاً من جوليا التي انخرطت في حياة مرفهّة تتيحها المسلسلات المائعة لا خشبة المسرح. هكذا تتناسل دراما الحياة اليومية بطبقاتها المتعددة بما يشبه مرثية لما آلت إليه الأحوال اليوم: ينهي طارق ومجد ورديتهما في المقهى ليصدما بنصب لجناحي ملاك اعتاد عابرو الشارع التقاط الصور التذكارية أمامه، فيحاولا تقليد الآخرين، ثم تقول مجد متهكمة، وهي تمد ذراعيها إلى أقصاهما مثل مسيح مصلوب، لا مثل لحظة العاشقين في تايتانك، كما يفترض: نحن الآن في قمة المجد. سخريات من هذا الطراز تتسرّب خطفاً بوصفها علامات على مستوى الاحتضار الذي تعيشه الشخصية. ثلاث ساعات ونصف الساعة، تمكّن أسامة غنم خلالها من تفكيك فتيل (الضجر المتوقّع؟) ببناء درامي متين، وأداء طبيعي ينطوي على تدريبات صارمة في تقشير طبقات الحكي إلى ما هو يومي وجوهري في آن واحد، مراهناً على طاقات شابة جسدها بمهارة وشغف: نانسي خوري، جنا العبود، آية محمود، جان دحدوح، ينال منصور، فادي حواشي، علاء زهر الدين، بقراءة سوسيولوجية تقوّض قسوة سنوات الحرب بمعول حاد، وبمكر سردي يعيد الاعتبار إلى الفرجة الغائبة.

* «شمس ومجد» اليوم وغداً، الخامسة مساءً، دمشق- المسرح الدائري، في المعهد العالي للفنون المسرحية. للحجز: 00963968495468