1- هزليّات إذا كان ثمّة ملائكة،
فهم ربّما لا يقرأون
قصصنا.
حول الآمال المُجهضة.

أخاف – للأسف –
أنهم كذلك لا يقرأون أشعار
وامتعاضها من العالم.

صيحاتُ وارتعاشاتُ
مسرحيّاتنا
دافيد لاشابيل ــــ «فقد ثم وُجد» (طباعة صبغة ورشيفية على ورق كانسون ـــ 2019)

لا بدّ وأن – حسبما أظن –
تُثيرهم.

هم في الاستراحات من المشاغل
الملائكيّة يَعني غير البشريّة
يتمعنون
في هزليات
من زمانِ الفيلم الصامت.

هم أكثرُ من الندّابين
ممزّقي الثياب
والصارّين على أسنانهم
يُثمّنون – حسبما أعتقد –
ذلك المخلوق،
الذي يمسك بباروكةِ الغريق
أو الذي يأكل من الجوع
شريط حذائه.
من الحزام فما فوق ثمّة صدرٌ وتطلّعات
وما دونها فأرة مذعورة
في سروال.
أوه، نعم،
لا بدّ لهذا من تسليتهم تماماً.

هذا الركضُ في حلقةٍ مفرغة
يتحوّل إلى هروب من الهارب.
الضوءُ في النفق
يبدو بعينِ نمر.
مائة كارثة
هي مائة شقلبةٍ مضحكة
فوق مائةِ هاوية.

إذا كان ثمّة ملائكة،
- يحدوني الأمل – فعليه
أن يُقنعهم
هذا المرح الهزّاز فوق الهاوية،
المرحُ الذي لا يستغيث،
لأن كل شيء يحدث بهدوء.

أتجرّأ على القول
بأنّهم يَصفقونَ الأجنحة
ومن عيونهم تسيلُ على الأقل
دموعُ الضحك.


2- رواية الأحداث
لو سُمح لنا بأن نختار،
لفكّرنا ربّما طويلاً.

لكانت الأجسامُ المقترحة غير مريحة،
ولتحطّمت ببشاعة.

أقرَفتنا
سبلُ تطمين الجوع،
نفّرتنا
وراثة الصفات الهامدة
وطغيانُ الغدد.

العالم الذي كان عليه أن يطوّقنا،
كان في تداعٍ مستمرّ
واحتدمت عليه نتائجُ الأسباب.

من المصائر الفرديّة
المعروضة علينا للنظر
رفضنا الأكثريةَ
بحزن وارتعاب.

برزت مثلاً أسئلة كهذه
هل من فائدة لأن تلدي في الآلام
طفلاً ميتاً
وما جدوى أن تكون ملاحاً
لا يبحر.

رضينا بالموت
لكن ليس في كلّ هيئة.
سحَرَنا الحبُّ،
حسناً، لكن الحبّ
الوفي بوعوده.

عن خدمة الفن
حرَفَنا
سواء تذبذب التقييم
أو مؤقتيةُ الأعمال.

كلّ واحد منا أرادَ وطناً بلا جيران
وأن يعيشَ حياته كاملة
في الفسحة ما بين حربين.

لا أحد منا أراد أن يستلمَ السلطة
أو لها يخضع،
لا أحد أراد أن يصير ضحيّة
أوهامه الشخصيّة وأوهام غيره،
لم يكن هناك متطوّعون
للحشود والمسيرات
وقبل كلّ شيء للقبائل الفانية
- ولو بدونها التواريخ
لم تستطع بأيّة طريقة أن تجري
عبر قرون متوقّعة.

في غضون ذلك كميّة كبيرة
من النجوم الوضيئة
قد انطفأتْ وخبَتْ.
كانت لحظة قصوى للقرار.

رغم التحذيرات الكثيرة
ظهر في النهاية مرشّحون
لبعض لأدوار مثل المستكشفين والمطبّبين،
لبضعة فلاسفة مغمورين،
لبضعة بستانيين مجهولين،
لمشعوذين وموسيقيين
مع ذلك بسبب نقص الطلبات
حتى هذه الحيواتُ
ما كان بوسعها أن تتحقّق.

كان لا بدّ أن يُنظر في كامل القضيّة.

قُدّم لنا عرض
لرحلة
سنعود منها مع ذلك
سريعاً وأكيداً.

الإقامة ما وراء الخلود،
مع ذلك رتيبة
ولا تعرف الزوال
يمكنها أبداً أن لا تتكرّر أكثر.

أغارت علينا الشكوك،
هل ونحن نعرف كلّ شيء مسبقاً
نعرف حقّاً كلّ شيء.

هل الخيار المبكر
هو خيار ما
ألا يكونُ من الأفضل
أن نتناساه
وإن اخترنا
- فلنخترْ هناك.

تطلّعنا إلى الأرض
كان ثمّة مغامرون يعيشون عليها.
ثمّة نبتة هزيلة
تشبّثت بصخرة
بثقةٍ عمياء
بأنّ الريح لن تقلعها.

ثمّة حيوان صغير
أُفلِتَ من جُحره
بأملٍ وجهدٍ غريبين علينا.

كنّا نبدو أشدّ حذراً،
وضيعين ومضحكين.

بعد قليل أخذنا نتناقص
الأقل صبراً غابوا عنّا في مكانٍ ما.
ذهبوا إلى خطّ النار
- نعم، كان ذلك واضحاً،
أشعلوها حقّاً
عند ضفّة النهر المنحدرة.

بضعة منهم
قد تحرّكوا عائدين.
لكن ليس باتجاهنا.
كما لو أن شيئاً مستعاداً؟ كانوا يحملون؟

3- أبتكرُ العالمَ
أبتكرُ العالمَ، الطبعة الثانية،
الطبعةُ الثانيةُ، مُنقّحة،
للبلهاءِ الضحكُ،
للكئيبينَ البكاءُ،
للصلعاءِ المشطُ،
للكلابِ الحذاءُ.

هوذا فصلُ:
لغة الحيوان والنبات،
حيث لكلّ صنف
عندك قاموس مناسب
حتى عبارةُ صباح الخير البسيطة
المتبادلةُ مع السمكة
تُعزّزكم في الحياة
أنتَ، السمكة والجميع.

ارتجالُ الغابة!
هذا، المحسوسُ قديماً،
فجأةً في يقظة الكلمات
هذه ملحمةُ البوم!
هذه خواطر القنفذ،
تؤلَّفُ حينما
نكون واثقينَ،
بأنّه لا شيء سوى نومه!

الوقتُ (الفصل الثاني)
له الحقّ بالتدخّلِ،
في كلّ شيء، سيّئاً كان أو خيّراً،
لكن – هذا الذي يُفتّتُ الجبالَ،
الحاضرُ عند دورةِ النجوم،
لن تكونُ له أيةُ سلطة
على عاشقين، لأنهما عاريان تماماً،
لأنهما متعانقان تماماً، بروحٍ
وجلةٍ مثل عصفور على الكتف.

الشيخوخةُ مجرّدُ مَنقَبةٍ أخلاقيّة
مُقارنةً بحياة المجرم.
أوه، إذن فالكلّ هم شباب!
المعاناةُ (الفصل الثالث)
هي لا تهينُ الجسدَ.
الموتُ،
حينما تنام، يجيء.

وستحلم،
بأنه لا ضرورة لكي تتنفسَ،
وأن الصمتَ بلا تنفس
موسيقى مقبولة،
وأنكَ صغير كشرارة
وتنطفئ في المدرج الموسيقي.

الموتُ فقط هكذا، كنتَ تتألم
كثيراً وأنت تُمسك الوردةَ باليد
وكنتَ تُحسّ بذعرٍ أكبر
وأنتَ ترى أن البتلة قد سقطت على الأرض.

العالمُ هكذا فقط. أن تعيشَ هكذا
فقط. وتموت فقط بهذا القدر.
وكلّ ما عداه – هو مثل (باخ)
يُعزَف لحظةً
على منشار.

4- المتحف
توجد صحونٌ دونما شهيّة.
توجد خواتم دونما مبادلة
منذ ثلاثمائة عام على الأقلّ.

توجد مروحة – أين التورّدُ؟
توجد سيوف – أين الغضبُ؟
والعودُ لا يرنّ في الساعة المكفهرّة.

بسببِ نقصِ الخلود جُمعتْ
عشرةُ آلافَ حاجةٍ قديمة.
الناظرُ المطَحلَبُ يَغفو هانئاً
مُعلّقاً فوق الخزانةِ شاربيه.

المعادنُ، الطينُ وريشةُ الطائر
منتصرة تبتهج بصمت في الزمان.
وحدَه الدبّوسُ يُقهقه بعد بَهلولةِ مصر.

التاج عمّر بعد الرأس.
الكفُّ خسرت مع القفّاز.
والحذاءُ الأيمنُ انتصَر على الرِّجل.
أما في ما يتعلّق بي فثقوا، إنّي أعيشُ
سباقي مع التنورةِ ما زال يجيشُ
كم من العناد لديها!
كما لو أنها تريد أن تحيا!


5- إلى القلب في يوم الأحد
شكراً لك يا قلبي،
لأنك لا تَبرمُ، لأنك تسعى
دونَ اطراءٍ أو جائزة،
بدافع الاجتهاد الفطري.

سبعونَ خدمةً في الدقيقةِ لك
كلّ تقلّص لديك
هو بمثابة دفعِ قارب
في عبابِ البحر
في رحلةٍ حول العالم.

شكراً لكَ يا قلبي
لأنّك مرة بعد أخرى
تستلّني من الكلّ
حتى في الحلم وحدي.

تسهر كي لا أحلمَ حتى النهاية
حتى النهاية،
حيث لا ضرورة عندها للأجنحة.

شكراً لكَ يا قلبي،
لأنني استيقظتُ من جديد
ولو أنّ اليومَ هو الأحد،
يومُ الراحة،
وتحت الضلوع
تتواصل الحركةُ المعتادة لما قبل العيد.

6- امتنان
أنا ممتنّة كثيراً
لمن لا أحبّهم.

أشعرُ بارتياح،
لأنهم قريبون من شخص آخر.

بفرح لأنني لستُ
ذئبَ حملانهم.

أشعرُ بسلامٍ معهم
بحريّة معهم،
وهذا ما لا يَمنحه الحبّ
وما لا يُمكنه أن يأخذه.

لا أنتظرهم رائحةً
من الشبّاك إلى الباب
صابرةً
تقريباً مثل ساعة شمسيّة.
أفهمُ،
ما لا يفهمه الحبُّ
أغفرُ
ما لا يُمكن للحبّ
أن يغفره.

من اللقاء إلى الرسالة
لا يدوم الوقت إلى ما لا نهاية
إنها ببساطة أيام معدودات أو أسابيع.

السفر معهم دائماً موفّقٌ،
الكونشرتاتُ مسموعة،
الكاتدرائياتُ مُزارة،
مناظرُ البلاد واضحة.

وعندما تَفصُلنا سبعةُ جبالٍ وأنهار،
نعرفها جيّداً من الخريطة.

بفضلهم إن كنتُ عشتُ في أبعادٍ ثلاثةٍ،
في فضاءٍ ليسَ شعريّاً ولا خطابياً
بأفقٍ حقيقي لأنه متحرّك.

هم أنفسُهم لا يعرفون
كم في أياديهم الفارغة يَحملون.

«لستُ مديناً لهم بأيّ شيء»
بودّ الحبّ أن يقول
حول هذه القضيّة المفتوحة.

* مقتطفات من «النهاية والبداية (وقصائد أخرى)» (دار المدى - 1998) لڤيسواڤا شيمبورسكا (ترجمها عن البولنديّة هاتف الجنابي)