غزة | لا يمكنك أن تتوقّع أنّ عشرات اللوحات التي احتضنها معرض «فلسطين في عيون روسيا»، رُسمت بأنامل تفصلها عن قضية الشعب الفلسطيني مسافات جغرافية وثقافية واجتماعية شاسعة. المعرض الذي عُقد بالتزامن مع معرض آخر أقيم في موسكو في مناسبة «يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني»، شارك فيه إلى جانب عشرات الفنانين الفلسطينيين، 40 تشكيلياً روسياً، قدّموا «شعباً مظلوماً، مصلوباً كما المسيح ابن مريم... هكذا رآنا الفنان ألكساندر بافلوف»، تقول غدير صالحة. طالبة الفنون الجميلة في «جامعة الأقصى» تتأمّل اللوحة التي ظهر فيها المسيح معتمراً كوفية وعقالاً فلسطينيَّيْن وإلى جانبه امرأة مصلوبة ترتدي الثوب الفلسطيني المطرَّز، قبل أن تضيف: «اللوحات المعروضة لا تعكس فهماً سياسياً فقط لمجريات الأحداث في فلسطين، إنما تعكس شعوراً عالياً وانتماءً راقياً للحق الفلسطيني». نظّمت مؤسسة «رواسي فلسطين» المعرض بالشراكة مع بلدية غزة و«جمعية الصداقة والتعاون بين شعوب تشوفاشيا وفلسطين». في هذا السياق، أكّد مديرها فايز الحسني، أنّه لاقى ترحيباً وتعاوناً كبيراً من السلطات الروسية: «الفنانون الروس لا يخاطبوننا نحن (أبناء فلسطين) فقط، إنّما يقولون للعالم كله بمختلف دياناته وتبايناته، إنكم يجب أن تقفوا مع الشعب الفلسطيني الذي يُعتدى عليه ويُظلم».
قدّم الفنانون الروس توثيقاً دقيقاً لحقب النضال الفلسطيني منذ نكبة عام 1948 حتى اليوم. ففي لوحة ناديجدا كافكازوفا، تظهر شخصية الفلاح الفلسطيني بلباسه التقليدي المعروف قبل النكبة، فيما تحيطه أغنامه، بينما تجسّد جملة من اللوحات المنوّعة، بألوانها الداكنة وعيون أبطالها العابسة، التحوّل الذي طرأ على حياة الفلسطينيين بعد الاحتلال.
مدن فلسطينية كثيرة قدّمتها اللوحات الروسية، بعدما أُشبعت برموز دينية تحمل دلالة المقاومة والسلام، فقد ظهرت قبة الصخرة في لوحة مارينا البلعاوي، وقد أحاط بها خشوع العذراء، وإلى جانبها لوحة أخرى يقف فيها شاب فلسطيني من مصابي مسيرات العودة الكبرى، وقد استعاض بطفله عن قدمه المبتورة، وهو ينظر إلى حدود فلسطين.
عامر خالد شاب عشريني حضر إلى المعرض إلى جانب المئات من الزائرين، تحدّث لـ «الأخبار» وهو يتأمل لوحة فيرا فيليبوفا. «المميّز في رؤية الفنانين الروس للصراع الفلسطيني، هو أنهم لم يقدموا الفلسطينيين بوصفهم ضحايا لهم قضية إنسانية فحسب، إنّما شعب مناضل ولديه طموحات في الانتصار والتحرير، وهذا هو الفارق بين الرؤية الغربية والشرقية لقضية فلسطين».
وتُظهر لوحة فيليبوفا الإرادة الفلسطينية وتفاؤل الفلسطينيين بالنصر، إذ يبدو في ألوانها الصاخبة فارس ملثّم بالكوفية الفلسطينية يمتطي حصانه ويلوّح بيده بالعلم الفلسطيني، وهو يدخل إحدى بوابات القدس. أما الفنانة الفلسطينية المشاركة في الحدث، تهاني سكيك، فأوضحت لـ «الأخبار» أنّه «لم نتوقع العمق في فهم القضية الفلسطينية والانتماء للحق الفلسطيني، كل لوحة عكست صرخة الإنسان الفلسطيني وحقه في أرضه، شعرنا أنها رُسمت بأنامل فلسطينية».
بدوره، أكّد الفنان الروسي ميدخات شاكيروف، وهو نائب رئيس «جمعية الصداقة والتعاون بين شعوب تشوفاشيا وفلسطين» وصاحب مبادرة «أنا أرسم فلسطين»، خلال كلمة من روسيا عبر الفيديو: «نفتخر بافتتاح أول معرض مشترك، نحن متضامنون مع شعبكم، ونريد أن تستعيدوا مدنكم وقراكم وأراضيكم، نريد أن يعمّ السلام أرض فلسطين، وأن يتمتع الشعب الفلسطيني بحريته على أرضه ويزرع الزيتون».
وصلت اللوحات التي عُرضت في «فلسطين في عيون روسيا» على مدى يومين عبر الإنترنت وطُبعت في غزة. تزامناً، احتضنت روسيا معرضاً آخر ضمّ لوحات فنانين فلسطينيين، يُعدّ الأوّل من نوعه. هنا، شدّد شاكيروف على أنّ هذا المعرض «لن يكون الأخير»، وأنّ التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة سيستمر: «ما دامت فلسطين محتلةً، وشعبها مضطهداً ومهاناً، فإنّني أؤكد مجدداً، أنّني فلسطيني، حتى ينال هذا الشعب حريته ويستعيد وطنه».