بعد انقطاع قسري دام ثلاث سنوات متتالية بداعي جائحة كورونا وتداعيات انفجار 4 آب 2020 والأزمة الاقتصادية، أعلن «النادي الثقافي العربي» أخيراً عن إقامة «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» في دورته الثالثة والستين، بدءاً من 3 لغاية 8 آذار (مارس) 2022 في قاعة «سي سايد» للمعارض. حالما أعلن عن إقامة المعرض، بدأت تُطرح علامات استفهام عديدة أبرزها يتعلّق بأسعار الكتب والقدرة الشرائية عند المواطن ومدى اعتبار الكتاب أولوية في الزمن الصعب الذي يعيشه البلد! إلا أنّ هذه الأسئلة سرعان ما حجبها خلاف بين النادي و«نقابة اتحاد الناشرين في لبنان» في ظلّ عزوف عدد كبير من الدور عن المشاركة في الدورة، خصوصاً أنّ النادي قرّر إقامة دورتَين خلال العام الحالي! إذ ستقام الدورة الرابعة والستّون في كانون الأول (ديسمبر) المقبل. الحديث مع رئيسة «النادي الثقافي العربي» سلوى السنيورة بعاصيري، كما مع نقيبة اتحاد الناشرين في لبنان سميرة عاصي، يجعلنا نخلص إلى أنّ الشراكة بين الطرفين باتت في خبر كان، وأنّ شهر كانون الأول المقبل قد يشهد معرضَين: أحدهما بإشراف النادي وآخر بإشراف النقابة! فهل يشهد عام 2022 ثلاثة معارض للكتاب؟
ماغي تايلور ــ «نادي الكتاب» (2013)

في اتصال مع رئيسة «النادي الثقافي العربي» سلوى السنيورة بعاصيري، تعلّق: «بداية، أريد أن أنوّه بما حظي به الإعلان عن إقامة معرض الكتاب في مطلع آذار المقبل من ترحيب واسع، في دلالة على تعطّش أهل الفكر والمعرفة إلى عودة النبض الثقافي إلى بيروت، وهي التي لطالما كانت موئلاً للثقافة مهما صعبت التحدّيات. ويقيناً من النادي بهذه المسلّمة، كان عليه أن يعمل لإزالة كلّ المعوقات التي حالت دون إقامة المعرض خلال السنتين السابقتين. كلّنا يعلم أنّ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 أصاب المكان التقليدي لانعقاد المعرض إصابةً جسيمة، ما عطّل توافر خدماته منذ ذلك الحين. وقد دأبت إدارة النادي على متابعة مجريات الترميم، لمعرفتها بأهميّة استئناف تنظيم المعرض ومحورية هذا النشاط في الحياة الفكرية الثقافية والفكرية في لبنان». وتتابع: «أفيد «النادي الثقافي العربي» في منتصف كانون الأول 2021 بأنّ القاعات المخصّصة لإقامة المعرض، ستكون جاهزة مطلع آذار 2022، وعليه كان عليه اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاودة النشاط الذي طال انتظاره». وعن الشراكة مع «نقابة اتحاد الناشرين في لبنان»، توضح بعاصيري أنّ الشراكة بين النادي والنقابة تعود إلى عام 1992 وتهدف إلى توحيد الجهود في إطار إقامة معرض بيروت، وما زالت هذه الشراكة متينة. «لذا فور معرفة النادي بمستجدات أعمال الترميم في قاعة انعقاد المعرض، تمّ الاتصال بنقابة اتحاد الناشرين للتشاور في الأمر. عُقد اجتماع لهذه الغاية في مقر النادي بتاريخ 22 كانون الأول 2021 بحضور رئيسة النقابة وثلاثة من الأعضاء، إلى جانب القيّمين على النادي. وتوافق المجتمعون على أهميّة المعرض في استنهاض الحياة الثقافية في لبنان وعاصمته بيروت. وإذ أبدى فريق النقابة تخوّفه من الظروف الاقتصادية السائدة وتداعياتها، أكّد فريق النادي على أنّ رمزية إقامة المعرض تتقدّم على المخاوف والاعتبارات المالية. لذلك، توافق الفريقان على استمزاج آراء الناشرين خطياً بشأن مسألتين: الأولى تقصير مدّة إقامة المعرض إلى خمسة أيّام بدلاً من عشرة، والثانية إن كان من الأفضل جعل المعرض منصّة للعرض فقط، أم للعرض والبيع معاً. في 27 كانون الأول 2021، أفادت رئيسة النقابة، بموجب رسالة خطيّة، أنّه سيتعذّر على الناشرين المشاركة. وفي حال رغب النادي في مواصلة تنظيم المعرض، ينبغي عدم إدراج النقابة كشريك، وهذا ما كان». وأملت بعاصيري أن يقيم النادي المعرض المرتقب في كانون الأول 2022 بالتعاون مع نقابة اتحاد الناشرين.
أمّا بخصوص التمويل، فتجيب بعاصيري أنّ المعرض يعتمد فقط على الرسوم التي يسدّدها المشاركون، «وقد نجح في الدورات السابقة التي تُقام منذ 2004 في «بيال» (واجهة بيروت البحرية) نظراً إلى اتّساعه وسهولة الوصول إليه».
وعن إقامة دورتين في عام واحد، تعتبر بعاصيري: «الفترة الفاصلة بينهما كافية، علماً أنّنا بحاجة إلى رفع مستوى الجاهزية لا التقليل منها. سبق أن نظّم النادي والنقابة معرضين في 2007 بعدما تعذّر إقامة المعرض في دورته الخمسين في كانون الأول 2006، واحتفظت الدورة 51 بموعدها المعتاد وهو كانون الأول 2007». وتختم بعاصيري بأنّه «إلى جانب الإعداد الحثيث للمعرض، نعمل على التحضير للفعاليات الثقافية المرافقة، ونأمل أن تكون نشطة ومعبّرة عن مكانة بيروت الثقافية وعن أحلامها بغدٍ يليق بها. وأشدّد هنا على أنّ أهميّة إقامة المعرض في هذا الظرف، تكمن في رمزيّته واستجابته لآمال المعنيّين به، ولن يكون الاعتبار المادي معطّلاً أمام الغاية الأسمى».
بدورها، تشرح رئيسة «نقابة اتحاد الناشرين في لبنان» سميرة عاصي بأنّ النقابة أقامت المعرض على مدى خمس سنوات في الماضي، «بعدها، مدّدنا شراكة مع «النادي الثقافي العربي» الذي لا يمكنه إقامة معرض منفرداً. فإذا لم يكن هناك ناشر، لا يوجد معرض. والنادي يقيم المعرض لأنّ الأخير يضمن بقاءه واستمراره بفضل المدخول الذي يجلبه للنادي. كنّا في النقابة نتقاضى خمسة في المئة، وقد رفعنا النسبة أخيراً، فباتت سبعة في المئة. علماً أنّ المعرض لم يُقم في 2019 بسبب الظروف في لبنان».
تؤكّد عاصي هنا أن النادي لم يستشر النقابة قبل اتخاذ قرار إقامة المعرض، مضيفة: «الدكتورة سلوى بعاصيري عُيّنت رئيسة للنادي ولم نعلم بتعيينها. التقيت بها للحقيقة في «معرض الشارقة للكتاب» برفقة رئيس النادي فادي تميم، وإذ بي أُفاجأ بأنّه صار مديراً، وبعاصيري هي الرئيسة. ألف مبروك وهذا يشرّفنا. وأشدّد على أنّه لم يتم التواصل مع النقابة حول المعرض، بل إنني عرفت بالأمر مصادفةً خلال تقديم واجب العزاء بالراحل سماح إدريس، حيث التقيت بمدير المعرض عدنان حمود الذي أخبرني بالأمر. فوجئت بالفعل وتحدّثت مع فادي تميم معاتبة لأنّ أحداً لم يستشر النقابة شريكتكم في المعرض. غاب يومين، وبعد ذلك قال لي نريد الاجتماع بكم. ذهبت إلى الشارقة والتقيت ببعاصيري وتميم عند أحمد العامري (رئيس هيئة الشارقة للكتاب)، ووجدتهما يتحدّثان عن المعرض، وأخبرا العامري بالموضوع، وطلبا دعماً مالياً للمعرَضَين. لذلك، أجد أنّ إقامة المعرض في آذار سببه مادّي للنادي. هذا لا يمنع حرصهم على أنّ بيروت مدينة الثقافة والأبجدية. وفي الشارقة، طالبت النقابة القائمين على المعرض بدعم الناشرين وشراء إصداراتهم وحصل هذا الأمر». وتتابع: «كنّا نفضّل أن تعلم النقابة بقرار إقامة المعرض قبل اللقاء في الشارقة، وأن نذهب متّحدين بما أنّنا شركاء، وهذا خيارهم. بعد عودتنا إلى بيروت، طلب النادي اجتماعاً. وهكذا كان. قلنا للرئيسة إنّنا نريد أن نتشاور مع الناشرين ونجري استفتاء حول الموضوع ويكون الجواب خلال يومين. وإذ بجميع الناشرين يرفضون المشاركة، وكانت تسعيرة المشاركة خمسين دولاراً للمتر. بعثنا رسالة تتضّمن الرفض، وطبعاً يمكن للنادي إقامة المعرض لأنّه لا يسعنا منع أحد من إقامة معرض، لكن لا علاقة لنا. إمّا أن يكون معرضاً ناجحاً بنسبة 50 أو 60% أو يكون مجرّد معرض. فكان الجواب أنّ النادي يريد لفت النظر إلى معاناة بيروت. هنا عرضنا أن نقيم المعرض في القاعة الزجاجيّة، من دون مقابل مادي للقاعة. ففي الماضي، كنّا نقيم معرضاً صغيراً في القاعة لمدّة خمسة أيام وندعو الصحافة ونحكي عن حضارة لبنان وثقافته ونطلق صرخة من دون أن نكبّد الناشر مصاريف.
أين سنبيع الكتاب في ظلّ هذه الظروف؟ (سميرة عاصي)

لم يعجبهم الموضوع، ومن ثمّ قرّر النادي أن تكون التسعيرة 10 دولارات بعد الرسالة. علماً أنّ الدُّور المشاركة في معرض النادي هي تلك التي لا تستطيع المشاركة في بعض المعارض الخارجية لأسباب عدّة. الهدف من إقامة المعرض هو حصول النادي على دعم مادي من بعض الدول العربية، وهذا حقه. وأنا أيضاً أحصل على دعم للنقابة. وفي المقابل، فالناشرون اللبنانيون مهتمّون بالمشاركة في معارض عربية ستقام بالتزامن مع معرض بيروت خلال شهر آذار، كمعرض الكويت والبحرين ومسقط، والناشر اللبناني يعاني الأمرّين بسبب الأزمة الاقتصادية من تصدير الكتاب والتعامل بالليرة. مع العلم أنّ كل ما يدفعه النّاشر بالدولار (سعر الورق وغيره)»
وهنا تؤكد عاصي مرةً أخرى أنّ بيروت لا تحتمل معرضين: «صحيح أنّها مدينة الثقافة، وبالمناسبة أول معرض دولي يقام في العالم العربي كان في لبنان يليه معرض القاهرة ثم بغداد فقطر، ولكن عدد القرّاء في لبنان تضاءل بشكل كبير ونعاني جداً من هذا الموضوع. وهناك مقولة صحيحة بالفعل «لبنان يطبع، القاهرة تؤلّف، بغداد تقرأ». بعد التخرّج من المدرسة تتضاءل نسبة القراءة للأسف، القراءة هي تنشئة وتربية». وتتساءل عاصي: «أين سنبيع الكتاب اليوم في ظلّ هذه الظروف؟ وأين سننشره؟ النّاس يبحثون عن الطعام والدواء والمال لدخول المستشفى. دور النّشر اليوم في أزمة بعد ثلاث سنوات مع جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية. أولويات وحاجات النّاس ليست في الكتاب حالياً». وعن التسهيلات التي تقدّمها النقابة للناشرين للمشاركة في معارض خارج لبنان، تقول عاصي: «كانت البداية من معرض الشارقة، ويُشكر القيّمون على المعرض، فالنقابة لم تطلب يوماً، بل تتمنّى على إدارة المعرض إعفاء الناشرين اللبنانيين من الرسوم التي يدفعونها للأجنحة ودعم المعرض، إلى جانب إحضار طلاب المدارس والجامعات والجهات الحكومية ووزارات البترول ليشتروا الكتب. ما يساعد في انتشار الكتاب وتوزيعه... والمعرض الثاني كان في أبو ظبي والثالث في الرياض، وهم مشكورون. نحن نتمنّى ولا نشحذ. هذه المشاركات دفعت بدور النشر إلى تقديم إنتاج جديد. الدور الصغيرة تأثّرت أكثر من الكبيرة، وهذه المشاركات تساعد بشكل كبير».
وعما إذا كان هناك دور نشر أقفلت أبوابها، تجيب عاصي إنّ بعضها جمّدت أعمالها ولم تقفل، فيما بعضها الآخر لا يستطيع السفر إلى الخارج، بل بات يعطي توكيلات. هناك 200 دار عاملة اليوم، والمشاركون في المعارض لا يقلّ عددهم عن 70 أو 75، ومعهم توكيلات لدور نشر أخرى».
وتختم عاصي مفجّرة مفاجأة هي أنّ النقابة ستقيم معرضاً آخر للكتاب في كانون الأول المقبل تحت إشرافها الكامل بالتعاون مع جهة أجنبية، أو بدعم دولة عربية «في حال لم يحصل أي طارىء في لبنان». وتضيف: «في المبدأ هذا ما يريده النّاشرون، سبق أن أقمنا خمسة معارض بشكل منفرد ونجحنا فيها».