رغم ما تعيشه الصحافة الورقية من صعوبات أقدمت الباحثة والأكاديمية التونسية آمال قرامي على مغامرة إصدار مجلّة متخصّصة في الدراسات الجندرية من دون دعم أي مؤسسة تونسية أو أجنبية. تؤمن أستاذة الحضارة والجندر في كلية الآداب والفنون والانسانيات في منوبة أنّ غياب المجلاّت المتخصّصة في الدراسات الجندرية هو ما دفعها للإقدام على هذه المغامرة كما أشارت إلى ذلك في حوارها مع «الأخبار». * ما هي دوافعك لإنجاز هذا المشروع في وقت تحتضر فيه الصحف والمجلات الورقية؟
ـــ نقدّر أنّ الثقافة الرقمية لا يمكن أن تقضي على نشاط النشر. وبالرغم من المشاكل التي يمرّ بها الكتّاب وأصحاب وصاحبات المجلات والصحف الورقية، فإنّنا نعتبر أنّ للمجلّة مكانها. إذ يبقى للإنتاج الورقي قيمته. فالعلاقة بالكتاب/ المجلة والقلم والقرطاس علاقة حميمة لا يدرك كنهها إلاّ من فهموا مغامرة الكتابة وأسرار التواصل بين الأنا المنتجة والآخر المتقبّل/ة.

* لماذا أطلقت هذا المشروع وهل توجد جهة ممولة؟
ـــ يأتي مشروع إصدار مجلّة تونسية محكّمة مخصصة للدراسات الجندرية في سياق اغلقت فيه بعض مراكز البحث التي عرفت بنشاطها الكثيف، واضطرّت فيه بعض الجامعات لتقليص عدد المدرسات في هذا الاختصاص بسبب الصعوبات المادية، فضلاً عن التراجع في دعم هذه المشاريع الأكاديمية (اليمن، لبنان...). ونؤمن بأنّ صدور هذه المجلّة في هذا الوقت سيسدّ فراغاً نعلم أنّ الجميع كان على وعي به منذ عقود. وقد حرصنا على انتهاج سياسة ثقافيّة قائمة على: تخصيص كلّ عدد من أعداد المجلّة لتناول قضيّة محدّدة، وإيلاء الفكر النقديّ المكانة التي يستحقّها، وأخذ تعدّد الاختصاصات (علم الاجتماع، الفلسفة، التاريخ، الانثربولوجيا، علم النفس..) في الاعتبار. وليس اختيار إصدار مقالات باللغة العربية إلاّ محاولة لتشجيع حركة إنتاج المعرفة وسدّ النقص الحاصل في المكتبة العربية. يضاف إلى ذلك الانفتاح على لغات أخرى كالانكليزية والفرنسية. أمّا التمويل فهو ذاتي يعوّل على دعم المهتمين/ات بهذا المشروع المعرفي.

* ما هو واقع الدراسات الجندريّة في العالم العربي؟
ــ لقد تضاعف الاهتمام بالدراسات الجندرية في العالم العربي بعد إقدام دول عدة على وضع السياسات التربوية والاجتماعية والصحية والأمنية والاقتصادية التي تلحّ على توظيف المقاربة الجندرية لتحليل أوضاع النساء وفهم أسباب انتشار ظواهر متعددة لعلّ أهمّها العنف المسلط على النساء والفتيات. ولم تكن الجامعات بمعزل عن هذا الحراك. إذ خصّصت جامعات عدة أقساماً للبحث في هذا الاختصاص في بلدان عدة كالسودان، ولبنان، وفلسطين والمغرب... وبُعثت ماجستارات تهتم بالجندر والتنمية، أو الجندر والثقافة والمجتمع أو الجندر والعلوم السياسية في تونس ومصر وغيرها من البلدان، وارتأت مراكز بحث ووحدات بحثية (الكويت، لبنان،اليمن، المغرب...) توظيف المصطلحات والنظريات والمقاربات لتقديم بحوث جديدة تمكّننا من فهم التحولات التي تمرّ بها مجتمعات عدة. وما زالت دول خليجية أخرى تتابع هذه الديناميكية وتفكّر في إنشاء مراكز بحث مختصة (كالبحرين والكويت والعراق...) ويمكن القول إنه صار بإمكاننا اليوم بعد تحقق التراكم المعرفي، تقييم مختلف هذه التجارب وإخضاع المؤلفات ومناهج التدريس للقراءة النقدية، وهو ما شرعت مجموعة من المتخصّصات القيام به خلال السنوات الأخيرة.

* هل ستتواصلين مع مراكز البحث والدراسات والجامعات في الوطن العربي؟
ــ نرحّب بهذا التواصل الذي يوجد، في الحقيقة، على مستوى الأفراد. إذ لنا علاقات شخصية بزميلات في الإمارات والكويت والعراق وغيرها من البلدان، ونطمح في شراكات حقيقية ومشاريع بحث مشتركة ومشاركة في تقييم الأطاريح وغيرها من الأنشطة. ونذهب إلى أنّ فتح المجال للباحثات/ين للمساهمة في هذه المجلة سيمثّل فرصة مهمّة لمدّ الجسور بين «أهل المغرب» و«أهل المشرق» والذين قلّما يعرفون ما ينتج في هذا البلد أو ذاك.