سعدت بقراءة كتاب الشاعر شوقي مسلماني: «إسمي المزوّد بالزهور» الممتع والقيّم حقاً. ولكن لا بدّ من ملاحظة، فأحدث نظريّة عن أصل البشرية هي ما نشرته الجمعيّة الأميركيّة للجينات البشرية في دوريّتها العلميّة «المجلّة الأميركية للجينات البشرية» في عددها الصادر في شهر شباط (فبراير) 2012. والنظريّة نتيجة بحث علمي اضطلع به علماء من «جامعة ليدز» البريطانية وجامعة «بورتو» البرتغالية واستغرق سنوات طويلة، واعتمد على بحوث دقيقة في الحمض البشري والخلايا، وتوصّل إلى إن الإنسان العاقل (Homo Sapiens) قد نشأ وترعرع في شبه الجزيرة العربية؛ وقبل حوالي 60.000 سنة أخذت موجات بشريّة واسعة تهاجر من جزيرتنا إلى آسيا شرقاً، وإلى أوربا شمالاً عن طريق الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا. ويقتضي قرب بلاد ما بين النهرين الى شبه جزيرة العرب إن الإنسان ومكتشفاته الحضارية هي أسبق لدى السومريين من المصريين الفراعنة. فالكتابة المسمارية مثلاً أسبق من الكتابة الهيروغليفية بحوالي 250 عاماً وأوّل المعاجم هي تلك المعاجم الثنائية اللغة السومرية ــــ الأكدية، ثم جاءت بعدها المعاجم المصرية؛ واختراع العجلة، وتقسيم الدائرة، والزراعة نفسها، وهكذا. انظر مثلاً: مادة المعاجم في Encyclopaedia Universalis, volume 5 page 555 .
عاش الملك مينا المصري حوالي سنة 3200 ق م وولد النبي نوح في مدينة شورباك السومريّة حوالي سنة 3900 ق م وكان نجّاراً ولكن لا دراسات واضحة عن التوحيد لديهما.
فكرة التوحيد بوضوح جاءت على لسان إبراهيم الخليل الذي ولد في مدينة أور السومريّة حوالي سنة 2200 ق. م. ولد الفرعون إخناتون حوالي سنة 1353 ق.م ولكن الفرق بين الرجلين إن محاولة إخناتون لم تلقَ القبول وعاد الفراعنة بعد وفاته إلى ممارستهم الدينية التقليدية. أمّا إبراهيم الخليل فقد جاء بشريعة متكاملة، تُعدّ ثورة اجتماعية كبرى في تاريخ البشرية، وتولدت منها أفكار الأديان السماوية الثلاثة. كيف؟
في المجتمع السومري كان هنالك ملوك المدن، وكل ملك يدّعي نسباً لأحد الآلهة، ما يعطيه شرعية الحكم وظلم الناس، ويؤيده في ذلك كهنة يقيمون معبداً للإله الذي ينتسب إليه ذلك الملك. ويفرضون على الناس طاعته واستعباده إياهم. ويتمتّعون هم والملوك بالأموال والممتلكات. ويأخذون أجمل الفتيات للبغاء المقدّس، ومن يُشتمّ منه معارضة، يقومون بتضحية ابنه للإله. وعندما اخترعوا الكتابة، احتكروها لأبناء الملوك وأبنائهم. والمعرفة عموماً ـــ والكتابة خصوصاً ـــ قوّة وسلطة. وراحوا يدبّجون الأساطير والأشعار، ويخلعون الصفات المقدّسة على ذلك الإله، ويعدّونه الأقوى والأوحد، لتمجيد حفيده ملكهم.
جاء إبراهيم الخليل وقال: لا إله إلا الله. وهكذا نسف شرعية أولئك الملوك الطغاة. وقال: نحن جميعاً عبيد الله. فنحن متساوون في العبودية بحيث تتحقّق لنا الحريّة، فأنا لا يمكن أن أكون عبدَ عبدٍ آخر، لأننا جميعنا عبيد الله. وقال إنه قدّم ولده تضحية لله، ولكن الإله أمره بتضحية كبش، ومنع التضحية بالبشر. وإنّ المُلك لله، ونحن جميعاً متساوون في العبودية. فلنا حقّ في الملك والمال. وإنّ العِلم لله، وجميع عبيده متساوون في التعلّم، وطالب بتعميم التعليم. وهكذا أنتجت آراؤه حراكاً فكرياً ثقافياً اجتماعياً، فاستمرت دعوته للتوحيد. وأما إخناتون، فدعوته للتوحيد لم تغير شيئاً ولهذا انقرضت مع وفاته.
في ما يلي نصوص فرعونيّة تزيّن مجموعة «إسمي المزوّد بالزهور» التي تقول بالروح المصريّة القديمة لليهوديّة والمسيحيّة والإسلام: «رحيمٌ بمن يحمدونه/ يسمعُ دعوةَ من يدعوه/ يحمي الضعيفَ من القوي/ يقضي بين الضعيف وبين القوي/ يسمعُ صرخةَ المقيّد، يُكافئُ من خدَمَهُ/ يحمي مَن تبِعَهُ ويعرفُ مَن عرفَه». «ربٌّ واحدٌ بلا شريك/ خلقَ الدنيا وكان فرداً». «خلقَ الكونَ وكلَّ ما يكون/ خالقُ جميع ما في هذا العالم/ صاغَ العالمَ بيديه، أسَّسَهُ بما انتشرَ منه/ خالقُ السماوات والأرض، خالقُ الأعماقِ/ والمياه والجبال، ما يتخيّلُه فؤادُه يتحقّق/ يتكلّم فتتحقّق كلمتُه التي ستدوم الى الأبد». «للرجالِ والنساء/ يهبُ الميلادَ مرّةً ثانية». «آني» الآمنُ والمنصور/ يمجّدُ سيّدَه سيّد الأبديّةِ قائلاً/ لكَ الإجلالُ يا مَن خلقَ نفسَه بنفسِه/ أنتَ جميلٌ حينما تشرقُ في الآفاق/ وتريقُ أشعّةَ النور على الأرضِ الشماليّةِ والجنوبيّة/ يا ملكَ السماء، يغتبطون برؤيتك أولئك الذين هم في العالَمُ السفلي/ ينحنون متّجهين صوبَك/ يتقدّمونَ للقياك، لرؤية طلعتك البهيّة/ ليتني لا أُصدّ، ليتَ أعضاءَ جسمي تعود إلى جِدّتِها مرّةً ثانية/ عندما أشاهدُ جمالاتك مثل أولئك الذين هم أحبّاؤك/ لأنّي أحد الذين عبدوكَ في الأرض/ ليتني أبلغُ الأرضَ الأبديّة، أنتَ يا مولاي أمرتَ لي بذلك». «لم أُذنبْ، لم أفعلِ الشرَّ/ لم أشهدْ شهادةَ الزور، أعيشُ على الحقِّ والصدق/ أغتذي بالحقِّ، نفّذتُ الوصايا التي تعظّمُ اللهَ/ أعطيتُ الخبزَ للإنسانِ الجائعِ، أعطيتُ الماءَ للعطشانِ/ أعطيتُ الكساءَ للعريانِ، وزورقاً للملاّحِ ذي السفينةِ المحطّمة/ أنا نظيفُ الفمِ واليدين، سمعتُ الكلمةَ القديرة». «الحمدُ لكَ أيّها الواحد/ يا مَن تجلبُ كلَّ مَن وُلِد إلى الكينونة/ أيّها القوّةُ المبجّلة لكَ الحمدُ/ يا مَن يأتي بالكائناتِ الخضراء في موسمِها لكَ الحمدُ/ ويا مَن يسكنُ العمقَ السماويَّ وينيرُه لك الحمدُ/ لك الحمدُ يا مَن رأسُه يهبُ النورَ للذي هو أمامك».